الحلقات السابقة من 1 إلى 8 | ||||||||
|
القاضي يسأل: شو يعني حقوق إنسان... معتقلو صيدنايا يتحولون إلى شهود في محكمة أمن الدولة الحلقة (9)
ممتلكات كل سجين بطانيتان وثيابه التي عليه فقط..
أصدر محفوض أمراً بتصفيح الجدران بصاج معدني
تقصّدت الإدارة إهانة الأهالي خلال الزيارات
في الحلقة ماقبل الأخيرة من سلسلة "موت صيدنايا..يتحدث"، يحكي لـ"زمان الوصل" المعتقل السابق دياب سرية، عن المرحلة التي أعقبت انتهاء المجزرة مباشرةً، وحكاية هذه الحلقة تبدأ من تاريخ 13-1-2009، ووفق سرية بعد المجزرة بدأ المساجين يتلمسون ملامح سياسة السجن الجديدة، والمتمثلة بتهميش المساجين وعدم الرد على مطالبهم، ويصف سرية تلك الفترة: مُنعنا من الطبابة واستراحة التنفس حتى الثياب كانت محرمة علينا، كان مسموحاً لنا فقط بالجلوس وتناول الطعام والشراب، ولم نكن نملك سوى الملابس التي نرتديها.
تحويل السجن إلى قلعة
يشير المعتقل السابق، أنه بقي 300 سجين في سجن الضباط وبقية المعتقلين كانوا في سجن عدرا، في حين بدأت الإدارة بترميم السجن.
ويوضح سرية أنَّ المساجين تقصدوا تدمير وتخريب السجن بما في ذلك جدرانه وتمديداته الكهربائية ومواسير الصرف الصحي فيه، بهدف عدم العودة إليه لأنه وفق سرية، صار ذكرى مشؤومة يذكرهم بزملائهم الذين استشهدوا ودفنوا فيه..ورغم أن درجة الدمار الداخلي والخارجي بسجن صيدنايا الرئيسي توحي باستحالة العودة إليه، أصرَّ طلعت محفوض على إعادة إصلاحه، ويقول سرية: كنا نسمع صوت ورشات البناء على مدار 24 ساعة.
وبحسب المعتقل السابق انتهت أعمال الصيانة في الطابق الأول والثاني والمطبخ، بعد ثلاثة أشهر، أي في نيسان 2009، وأعادوا إليه أول دفعة من المعتقلين الموجودين في عدرا.
ويصف سرية السجن بعد الترميمات بأنه صار أشبه ما يكون بقلعة منه إلى سجن، لأن محفوض الذي أشرف على أعمال الصيانة تدارك الثغرات التي كانت فيه، وعرف نقطة قوة المساجين المتمثلة بتكسير الجدران والتجمع ليصيروا كتلة كبيرة، ولذلك أصدر محفوض أمراً بتصفيح الجدران بصاج معدني، وكانت ممتلكات كل سجين بطانيتين وثيابه التي عليه فقط.
ويتابع سرية: عندما نُقلنا جميعننا إلى السجن الرئيسي، بقينا أكثر من 3 شهور حتى حصل كل سجين على كأس وملعقة بلاستيك، وكنا حريصين أشد الحرص على الكؤوس والملاعق.
المرض يعصف بالمعتقلين
نتيجةً للدخان ورائحة الرصاص والغازات السامة، التي عاش وسطها المعتقلون أثناء الاستعصاء كان أغلبهم يعاني من أمراض في الجهاز التنفسي، ولذلك كانت حبة الدواء بالنسبة لهم حلماً، خاصة أنَّ حالات الربو تفاقمت، و الغرف بسبب التحصينات افتقدت إلى التهوية، والطعام قليل جداً وخالٍ من الفيتامينات، وهو عبارة عن برغل والقليل من رب البندورة وشوربة يصعب على المساجين تناولها لولا الجوع.
ذاكرة طلعت محفوض التي لاتُخطئ
ويشير سرية إلى أن محفوض كان في هذه المرحلة يقوم بجولات دورية على غرف المساجين، برفقة حراس شخصيين، ويبيّن المعتقل السابق كيف كان مشهد محفوض بين الحراس يثير سخرية المعتقلين، لأن ذلك دليل على خوفه، ومحاولته استعراض القوة.
ويضيف سرية: كان محفوض يمتاز بذاكرة رهيبة، فرؤيته للمعتقل لمرة واحدة كفيلة بأن يحفظ اسمه واسم والده وتهمته، وكان أثناء زيارته يتقصد مناقشة المعتقلين بتهمهم، ليخبرهم في النهاية أنه يحاول إنقاذهم من المستنقع التي أغرقوا أنفسهم به.
ويحكي سرية عن طقوس دخول محفوض إلى غرف المعتقلين:
عندما يدخل محفوض إلى الغرفة، يتوجب علينا الوقوف والتزام النظر نحو الحائط.
المخابرات في ضيافة السجن
استمرت الأحوال على ذلك إلى حزيران 2009، أي حتى بداية التحقيقات بملابسات العصيان، من قبل المخابرات الذين عرف المعتقلون في السجن بوجودها لأن نوعية الطعام صارت أقل وأسوأ مما كانت عليه، وكانوا كما يقول سرية يطلبون السجين ويأخذونه ولا يرجع، ولما صار المعتقلون يسمعون أصوات التعذيب عرفوا أن التحقيق قد بدأ.
الشهداء مجرمو العصيان
وبيّين سرية أن التحقيق استمر أكثر من 6 شهور، حققوا خلالها مع 1400 سجين أي مع جميع المعتقلين، وكان لدى الإدارة والمخابرات قائمة بأسماء الشهداء، هدفوا من خلال التحقيق أن يعترف المعتقلون أن الشهداء كانوا مجرمين قتلوا ضباطاً، وأنهم من قادة الاستعصاء ومن المحرضين عليه، والتهم ذاتها لصقوها ببعض السلفيين الذين مازالوا أحياءً.
ويقول: طبعاً بسبب الضرب والتعذيب اعترفنا مثلما أرادوا.
ويشير سرية إلى أنهم في نهاية التحقيق عرفوا الأسماء التي أُلبست التهم، وتم أخذهم إلى فرع الأمن العسكري ولم يرجعوا حتى اليوم.
فايز النوري ومحاكماته الشكلية
بعد انتهاء التحقيق بـثلاثة أشهر بدأت المحاكمات، وتحول المعتقلون إلى شهود في محكمة أمن الدولة في مقرها الجديد على اتستراد المزة، ضمن المجمع القضائي.
ويشير سرية: كنا وجهاً لوجه مع القاضي الذي حكمنا فايز النوري، ويتابع: الغريب أن النوري كان سعيداً بلقائنا، لدرجة أنه أراد فتح قضايانا والتدقيق فيها مرة أخرى.
ولاشك أن المحاكمات كانت شكلية، فالتهم جاهزة والمتهمون بلا محامين، والوثائق مزورة والشهادات منزوعة تحت التعذيب.
قاضي محكمة أمن الدولة يسأل: شو يعني حقوق إنسان؟!
وكان دياب سرية شاهداً وبنفس الوقت متهماً بمحاولة تحريض المساجين على العصيان، فكيف يكون المتهم شاهداً بذات الوقت؟.. يسأل سرية متهكماً!
ووفق سرية سارت محاكمته على الشكل التالي:
أقسم يميناً على القرآن الكريم بأن يقول الحقيقة..
ثم سأله النوري عن تهمته، فأجاب بـ "تجمع سياسي معارض مناهض للحكم"..
وعلق النوري: أنتم عملاء الغرب، وكنتم تستحقون الإعدام
وكان رد سرية: لماذا تريد إعدامنا، مادام تحقيق المخابرات لم يثبت علينا تهمة العمالة؟
ثم سأل النوري، سرية ماذا كان يعمل قبل السجن، فأجابه: ناشط في مجال حقوق الإنسان.. وحينها استهجن النوري الإجابة قائلاً: شو يعني حقوق إنسان، واكتفى سرية بالرد: لا أعتقد أنك بحاجتي لمعرفة حقوق الإنسان..مما أزعج النوري الذي قال: اسكت بلا فزلكة.
ويقول سرية: كانت الصفقة، بأن أشهد بما أجبرت على الاعتراف به، مقابل إسقاط تهمة التحريض عني.
إلا أن سرية أنكر اعترافاته السابقة وقال أمام المحكمة إنها سُحبت منه تحت التعذيب، فطرده النوري واتهمه بالكذب لأن المخابرات "لا تتعرض بالضرب على أحد"!
ويضيف سرية: كنت أرغب بإخبار النوري عن ملابسات قضية الناشط الحقوقي الرستناوي لكنه قال لي "انقلع"..
الزيارات من جديد..وبكاء الأهالي
بعد انتهاء المحاكمات تم فتح باب الزيارات، ولكن بشكل تدريجي، إذ كانت الإدارة تختار عينات عشوائية من المعتقلين لتسمح لهم بالزيارة، التي كانت مدتها 10 دقائق، وبحضور عسكريين أحدهما مع الأهل وآخر مع السجين، كما حددت الإدارة حسب سرية الأسئلة المسموحة في الزيارة، والتي تقتصر على: كيفكون وشلونكون وشو أخباركون، وأي معتقل يدلي بمعلومة عما جرى خلال الاستعصاء سيكون حسابه عسيراً، حيث ستُمنع عنه الزيارات، وسيخضع للتحقيق مرةً أخرى.
وعلم المساجين بعد ذلك أن الأهالي كانوا يتعرضون لتفتيش مهين وخاصة النساء، وكانت تُعمم عليهم الأسئلة المسموحة كذلك، ويشير سرية أنه عندما يبكي أحد من الأهالي بسبب الإهانات التي يتعرضون لها، يكون رد السجانين: أن تبكوا أنتم أفضل من أن يبكي الوطن...ادفعوا ثمن تربيتكم الخاطئة.
لمى شماس - بالتعاون مع سجين سابق - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية