أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الفن الإسلامي (الإنشاد) والثورة ! دراسة عن السلطة والدين (3)

حافظ الأسد

*بدايةٌ لا بد منها: 
دائماً يذكر الإعلام بكل أشكاله أهل الفن (ممثلين, مطربين, رسامين, نحاتين, ..الخ) بشكل أقرب للعلمانية أو الليبرالية بمفاهيمها للفن وأهله وهو حال العالم المتحكم والمالك للإعلام والصحافة بشكل واسع جداً.

ومما ذكره الإعلام العربي بعد قيام الثورة السورية بعض مواقف أهل الفن والمشاهير من الحراك السوري الكبير والمأساة الدموية التي بدأت به الثورة السلمية والعنف الذي واجهها ومن وقف بجانب الشعب الثائر ومطالبه المحقة والجانب الأخلاقي والإنساني والديني المترابط بشكل وثيق مع الدم المراق والموقف المضاد والذي أبدى تأييده للنظام الأسدي والحل العسكري الذي انتهجه ضد شعبه وكأنهم مخلوقات فضائية.
وكان ما يسمى الفنانون بنسبة تتجاوز 90% يقفون مع المستبد المجرم بشار الأسد ونظام حكمه الدموي رغم شعبية هؤلاء سابقاً والتي تضاءلت كثيراً اليوم, وكذلك الحال بالنسبة للمنشدين أو أصحاب مسمى "الفن الإسلامي"، وإن كان هو عنوان عريض جداً لا يختزل بصوت حسن وقصيدة مديح, فكما كانت المدارس الدينية التقليدية والجماعات الصوفية مؤيدة بزعاماتها للنظام, تَبِعَ عددٌ ليس بالقليل من المنشدين مشايخهم وبالطبع كان هناك عددٌ أيد الثورة ودافع عنها، وهناك منشدون حملوا السلاح عندما تسلحت الثورة, "فدراستنا دائماً هي لتحليل الموقف وفهمه جيداً وسرد تأثير السلطة لعقود عليه, ولا تعتمد إلا على الواقع المعاش ..." 

*من صوتٌ جميل إلى صوت منكر: 
يعتبر الإنشاد من الفنون الإسلامية القديمة جداً والتي يحبها عامة الناس بشكل كبير والتي تدعى (بالفن الهادف) وعدم تخلل الآلات الموسيقية بشكل كبير عليها، واعتمادها على الحنجرة العذبة وصوت المنشد الحسن والقصائد الشعرية التي تمدح الأنبياء أو الغنية بالتهليل والتسبيح ويسمى المنشد أيضاَ وشاحاً أو حادياً ...والإنشاد في سوريا منذ زمن العثمانيين مقتصر على الزوايا والتكايا حتى طور الشيخ عبد الغني النابلسي الأمر، وساهم في نشره والذي نظم أشعار المديح النبوية والابتهالات الدينية واستمر الأمر وأسست العديد من الفرق الإنشادية والتي تتألف من عدة منشدين يرأسهم واحدٌ منهم ويكون عادةً من قراء القرآن الكريم, أسس توفيق المنجد عام 1954 رابطة المنشدين بدمشق وضمت نعيم أبو حرب ووجيه الحلاق ومحمود الشيخ وغيرهم, وبعد وصول حافظ الأسد إلى سدة الحكم في السبعينات وتوطيد حكمه واختيار المدرسة الصوفية سنداً شرعياً له وتعيين الشيخ أحمد كفتارو (شيخ النقشبندية) مفتياً للجمهورية ومحاولة التقرب من التيارات الدينية، واستخدام سلطته السياسية ليؤمم السلطة الدينية، كما فعل عبد الناصر مع الأزهر أو البشير مع حسن الترابي؛ وطبعاً بخبث مكثف.

ففي عام 1974م أُصدر مرسوم رئاسي ينظم عمل رابطة المنشدين باعتبارها الفرقة الوحيدة التي تحيي وتقدم الإنشاد الديني الدمشقي في الجامع الأموي وتحيى المناسبات الدينية ويعتبر البعض إن هذا العام هو عام تأسيس رابطة المنشدين, ثم توسعت الرابطة لتشمل سليمان داوود وفرقته, وحمزة شكور وفرقته.. 
والذين كانوا لا يستخدمون الدف في المسجد لاختلافات فقهية ويعظمون من هو دون الله المحرم قطعياً، واللافت في أمر الرابطة أنها كانت تُحيي المولد النبوي أو ليلة الإسراء والمعراج أو النصف من شعبان بحضور من الرئيس حافظ الأسد سابقاً ومن ثم ابنه بشار إلى أن أصبحت عادةً سنوية, يرى فيها السوريون رئيسهم "المؤمن" وهو يشاركهم الاحتفال بمولد نبيهم, ويتحول الإنشاد الديني والابتهالات من مدح لرسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام, إلى "نفاق واضح لأي عاقل" إلى مديح للرئيس, القائد الأول والزعيم المتفرد, والملك في الجمهورية, بقصائد كُتبت في النبي محمد عليه الصلاة والسلام وحُولت قصداً إلى ثناء وتبجيل للقائد المفدى, ولا ينتهي الأمر هنا طبعاً, حيث استمرت تلك العادات القبيحة إلى اليوم, وتحول الصوت الشجي الندي إلى صوتٍ منكر, لا يستطيعُ صاحب كرامةٍ سماعه, ونستطيعُ القول إن الأسد الأب كان يريد أن يتسلط على كل شيء, كهرقل الروم أو كسرى الفرس, وربما أكثر, يحبُ أن يمجد, ويمتدح, ومع ذلك يبقى عابساً ولا يعطي الهدايا ولا العطايا كما كان الملوك يعطون شعراء العرب, ونلاحظُ أنه مع بداية حكمه أصدر تنظيم هكذا قرار, ولم نرَ قراراً مثله للمطربين مثلاً, لأن الحاضنة الشعبية الدينية أوسع, وأكثر جلباً للشرعية السياسية أو للشعب ككل.

*منشدُ السلطان: 
لم تعرف سورية -الأسد- مجازاً منشداً أوحد، أو فرقة إنشادية واحدة فكانت الوجوه تتبدل في الحفلات الدينية الرسمية (التي كان يحضرها الرئيس) ويمجد فيها عوضاً عن الله أو الأنبياء والمرسلين, وكان بعض المنشدين يتسابقون أكثر في امتداح ولي الأمر على حساب المبدأ (الفن الهادف), وشرف المهنة التي أسست لأجلها فرقتهم لكي تزيد المكانة (وتبقى وضيعة) ومع ذلك استطاع بعض المنشدين التحبب أو التقرب ونالوا المكانة بأن حظوا بتسجيلات مصورة على التلفزيون الرسمي وأن يكونوا منشدين حصريين في ليالي رمضان, مع بقاء المكانة الأكبر لرابطة المنشدين في دمشق وبعدها حلب ومن ثم حمص. 


ومع ابتداء الثورة ضد كل استبداد عرفته سوريا، سياسيا واقتصاديا ودينيا واجتماعيا، وإنشاء قناة "نور الشام" الدينية أصبحنا نرى وجوهاً جديدة من منشدي السلطان أو الذين يرفضون فكرة التغيير مطلقاً (مثل خورشيد والعقلة والحلاق ورامي وعبد المولى والعقاد وسواهم)، وذلك من الطلاقة اللسانية عندما يسألهم مذيعٌ ما عن الأوضاع أو (الأزمة) والفصاحة التي يمتلكونها في إخبارنا عن المؤامرة الكونية التي يتعرض لها الوطن وقائد الوطن, ولابد أنه لمع منشدون ضد النظام لقبوا "بمنشدي الثورة" كمعتصم العسلي أو يحيى حوى أو منشدون غنوا للثورة فقط !! كالقاشوش أو الساروت، والذين رفضوا رفضاً تاماً أن يكونوا من زمرة وعّاظ السلطان أو منشديه وشعرائه وفنانيه وأهل بلاطه، وهناك من التزم الصمت.

إن الدخول في مثل هذه المواضيع مهم للعيان جداً لنتعرف على أن المشاهير هم من زمرة البشر وليسوا من النخب التي يجب أن نتبعها دوماً ومواقفهم لا تغني ولا تسمن من جوع، وليسوا دوماً محقين فالواضح العكس تماماً, بل هم من يجب إتباع الشعوب في قضاياهم المحقة, ومعاركهم المصيرية, فكيف بمن يرفعون شعارات محبة النبي وهم يساندون من يقتل أتباعه وأحبابه, وكيف بمن يتنطع بالإيمان والناس تُباد على مقربة منهم وهم ينشدون ليلاً ونهاراً بدعوى الفرج, ومما أنقله عن مفتي سوريا في الخمسينيات الطبيب القاضي الشيخ محمد أبو اليسر عابدين رحمه الله: إنه زمنَ الفرنسيين كان يغضب على بعض المشايخ ويقول لهم:
البلد في حربٍ وجهادٍ، وأنتم في الموالد و الختمات؟!

فيتعلَّلون ويقولون: نفعل هذا على نيَّة الفرج !

فيجيبهم: هذا عملُ القاعدين مِن النساء والعجائز...

أعطوني ما تُنفقونه بهذه المجالس لنشتريَ سلاحا وطعام للثوار في الغوطة! والنصر للثورة العظيمة التي أزالت كل وجوه النفاق وعرت كل المخادعين ...

المواد السابقة 1 و 2  


القبيسيات وإثارة الجدل...دراسةٌ عن السلطة والدين
2014-05-19
ذكرت في المقال السابق عن بعض الجماعات الدينية التي ساندت النظام وعن السلطات الدينية التقليدية وأثرها في تحطيم المجتمع السوري الإسلامي والموقف من الثورات العربية والتبرير بأمر الفتن وعدم جواز الخروج على الحاكم...     التفاصيل ..

تطرفٌ من نوع آخر.. دراسةٌ عن السلطة والدين
2014-05-06
*اعتماد مدرسة مساندة في كل الأنظمة الشمولية والعربية خصوصاً يعتمدون على الدين لكي يغطوا الشنائع التي يقومون بها من استبداد واعتقالات ونشر جهل وقتلٍ وتكميم أفواه وسرقة الثروات وما إلى هنالك من ممارسات أغلبها يتجه...     التفاصيل ..

ناصر زين – ريف دمشق مشاركة لــ"زمان الوصل"
(223)    هل أعجبتك المقالة (243)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي