تنوه "زمان الوصل" أن المصطلحات المستخدمة هي تعابير مجردة، مع احترامها لكل الطوائف والأديان
• نسبة إجمالي المتشيعين بين السنة لاتتخطى 2%، وهي نسبة ضئيلة جدا، وغير مستهجنة.
• الغالبية العظمى من المتشيعين في صفوف العلويين، هم من الطلاب أو العاطلين عن العمل.
• في حلب وحدها، نسبة 88 في المئة من السنة المتشيعين، يتحدرون من عائلات ذات أصل شيعي.
بعيد اندلاع الثورة السورية، وبعد طول تستر وتخف، مزق الشيعة في سوريا معظم حجب "التقية"، وانطلقوا من وراء الكواليس، ليمارسوا دورهم مباشرة على مسرح الأحداث، فتواترت روايات نشطاء وأهالي حمص عن مدى الأذى الذي ألحقه شيعة الريف بسنّة المحافظة، مما يهون أمامه أذى عتاة النصيريين!
وكذا الأمر في إدلب وحلب بل وحتى في دمشق، حيث ظهر اعتماد النظام على مراكز ثقله الشيعية رغم إنها بلدات أو أحياء صغيرة تسبح في بحر سنّي، فكانت "الفوعة" و"كفريا" الشيعيتين في إدلب، كما "نبل" والزهراء" في حلب، كما "حي الأمين"، و"زين العابدين" في دمشق.
وخلافا للمتصور، فقد منح نظام بشار للقرى الشيعية -خلال الثورة- ما لم يمنحه للبلدات العلوية من امتيازات، حيث حصنها بتحصينات كبيرة ودجج أهلها بمختلف أنواع السلاح، حتى بدا إن سقوط "نبل" أو "الفوعة" لا يقل فداحة بالنسبة لبشار عن سقوط القرداحة نفسها!
لأجل هذه المعطيات وغيرها، وفي محاولة لفهم واقع الشيعة في سوريا، قررت "زمان الوصل" فتح ملف الشيعة والمتشيعين في سوريا، معتمدة على واحدة من أبرز وأحدث الدراسات التي نشرت قبل أعوام قليلة، حيث اطلعت "زمان الوصل" على النص الأصلي لدراسة ميدانية حول "دور الشيعة في سوريا" نشرها بالإنجليزية الباحث الأكاديمي المرموق خالد سنداوي.
وإليكم الجزء الثاني من السلسلة التي تعرض فيها "زمان الوصل" لأهم نقاط هذه الدراسة:
يقول الدكتور سنداوي: في دراسة ميدانية ممولة من الاتحاد الأوروبي تم إجراؤها خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2006، تكشفت بيانات مفيدة عن المشهد الديني في سوريا، فقد تم التوصل إلى نسب المتحولين إلى المذهب الشيعي، سواء من المذهب النصيري (العلوي)، أو من أهل السنة.
متحولون عادوا لأصولهم!
ووفقاً لهذه الدراسة، فإن توزع المتشيعين بين العلويين في مختلف المحافظات، هو على النحو التالي: طرطوس (44 في المئة)، اللاذقية (26 في المئة)، حمص (14 في المئة)، حماة ودمشق (16 في المئة).. أي إن نسبة 44% من المتحولين عن النصيرية إلى التشيع يتركزون في محافظة طرطوس، و26% في حمص.. وهكذا.
أما توزع المتشيعين بين السنة، فهو على النحو التالي: حلب (46) في المئة، دمشق (23 في المئة، حمص (22 في المئة)، حماة 5( في المئة)، إدلب (4 في المئة).. أي إن نسبة 46% من المتشيعين بين السنة يتركزون في محافظة حلب، و23% في دمشق.. وهكذا.
لكن المثير للاستغراب أن سنداوي ينسب للدراسة الأوروبية الميدانية أن معدلات التشيع في محافظات القنيطرة، دير الزور، والرقة، هي معدلات ضئيلة إلى درجة لاتستحق الذكر، وهذا خلافا لما أشيع قبل سنوات عن توسع نشاط التشيع في دير الزور والرقة على وجه الخصوص!
وبحسب الدراسة، فإن نسب المتشيعين بين الإسماعيليين، تتوزع على النحو التالي: حماة (51 في المئة)، طرطوس (43 في المئة)، حلب (3 في المئة)، دمشق (2 في المئة)، إدلب (1 في المئة).. أي إن 51% من الإسماعيليين الذي تحولوا للشيعة يتمركزون في حماة، و43% في طرطوس.. وهكذا.
ويخلص سنداوي للقول إن نسبة إجمالي المتحولين من السنة إلى التشيع في عموم سوريا لاتتخطى 2%، وهي نسبة ضئيلة جدا وغير مستهجنة، لاسيما إذا علمنا أن نحو 7 في المئة من المسلمين السنة الذين تحولوا في منطقة دمشق، ينتمون إلى أسر سورية كانت في الأصل شيعية ولكنهم تحولوا إلى سنة مع مرور الزمن، مثل عائلات: العطار، قصاب حسن، لحام، بختيار، إختيار. أما في حلب، فنسبة 88 في المئة من السنة المتشيعين كانوا أيضا من عائلات ذات أصل شيعي.
الأسباب "الارتزاقية" نادرة
ووفقا لدراسة الاتحاد الأوروبي، فإن من تشيعوا من السنة لا يمكن أن يعزى تشيعهم لأسباب اجتماعية أو اقتصادية قياسية؛ ففي دمشق، مثلا، 64.4 في المئة من المتشيعين ينتمون إلى أسر ذات مداخيل متوسطة أو مرتفعة، من فئة التجار والمهنيين.الغالبية العظمى منهم (69%) حاصلة على مستوى تعليمي لايقل عن شهادة الثانوية.
وفي حلب، أيضاً، وُجد أن 61 في المئة من المتشيعين، يتحدرون من طبقات متوسطة أو عليا.
وبين الفقراء، هناك 39 في المئة من المتشيعين ينتمون إلى عائلات ذات أصل شيعي (أي إنهم "جددوا" انتماءهم الشيعي)؛ ولذلك فإن تشيعهم له أساس ديني.
أما نسبة المتشيعين من السنة، لدواع مالية (في جميع المحافظات التي شملتها الدراسة)، فإنها لم تتجاوز 3 في المئة.
وينقل سنداوي أن الدراسة الميدانية، أثبتت أن التشيع نادراً ما حدث لأسباب "ارتزاقية"، باستثناء عدد قليل من المتحولين السنة، وخاصة بعض طلبة الجامعات، الذين قالوا إنهم غير متدينين على الإطلاق، ولكنهم قرروا التشيع "من أجل الحصول على ما يكفي من المال لإنهاء دراستهم أو للزواج، مع تأكيدهم أن أياً من المذهبين السني والشيعي لا يعنيان لهم شيئا".
كما وجدت الدراسة نسبة ضئيلة من المتشيعين السنة، الذين ادعوا أنهم تشيعوا بعد حرب لبنان عام 2006، وذلك "بدافع الحب لحزب الله وحسن نصر الله".
أما فيما يخص تشيع النصيريين في المحافظات السورية التي شملتها الدراسة، فعلى خلاف السنة المتشيعين، كانت الغالبية العظمى (حوالي 76%) من الطلاب أو العاطلين عن العمل.
كما تشيع بعض العلويين الذي يخدمون في القطاع العسكري، وفقا لشهادة رجل دين علوي من طرطوس، تبدو شهادته مهمة؛ نظرا لصعوبة الحصول على معلومات تخص العسكريين.
أما الأغلبية الساحقة (84%) من المتشيعين في صفوف الإسماعيليين، فهي تتحدر من أسر من الطبقة الوسطى أو العليا.
استنتاجات
ويعرض سنداوي خلاصة ما توصلت إليه الدراسة الميدانية الممولة أوروبيا، وهي تتمثل في 4 استنتاجات تخص التشيع في سوريا، معتبرا أن الاستنتاج الرابع والأخير على وجه الخصوص قد يكون مقلقا للنظام الحاكم الذي يهيمن عليه العلويون:
1- معظم حالات التشيع، في الماضي وكذلك في الحاضر، تحدث بين الطوائف التي لها جذور شيعية تقليدية (إسماعيليون، علويون)، وليس بين السنة.
2- انخفاض معدل التشيع بين السنة يشير إلى غياب أي نشاط تبشيري (تشييعي) في صفوفهم، لاسيما إذا ما أخذنا بالحسبان أن بعض المتشيعين من السنة ينتمون في حقيقتهم أسر ذات أصول شيعية، اختارت "التسنن" مع مرور الوقت، لسبب أو لآخر.
وعند هذا الاستنتاج الثاني، تتوقف "زمان الوصل"، لتذكّر بأنه استنتاج لا يعكس الواقع تماما، لأن تفسير انخفاض نسبة المتشيعين بين السنة بأنه ناجم عن انعدام نشاط التشييع في صفوفهم، يبدو تفسيرا ظاهريا وربما سطحيا، ويمكن أن يرد عليه بالقول إن قناعة السنة بدينهم وقرآنهم وسنة نبيهم متجذرة في قلوبهم، إلى درجة يصعب معها تحويلهم إلى دين أو مذهب آخر، أيا تكن الإغراءات أو الضغوط، وهذا ما أقرت به الدراسة نفسها، حين نفت عن غالبية المتشيعين في صفوف السنة صفة الفقر، ونسبت تشيع فئة عريضة منهم إما لانتمائهم إلى عائلات ذات جذور شيعية، وإما إلى "عدم تدينهم" أصلا.
وهكذا فإن هذا الاستنتاج الذي خلصت إليه الدراسة، يناقض ما حوته الدراسة نفسها من نسب وأرقام، عدا عن أنه يناقض شهادات سبق أن وردت في وثائق سرية من "ويكليكس"، تولت "زمان الوصل" ترجمة إحداها ونشرها في ملف "ويكليكس سوريا" ضمن الموقع، وهي البرقية السرية المؤرخة في 20 شباط/فبراير 2007، والمعنونة بـ"كفتارو يفضح حسون وتواطؤه مع بشار لإسكات السنة، ومنع انتقاد التشييع الإيراني" ،
وهذا رابطها لمن أراد الاستزادة، لضيق المجال عن تفصيلها..
اضغط هنا
أما ثالث الاستنتاجات فهو: نسبة التشيع لتحقيق مكاسب اقتصادية أو مالية منخفضة جدا؛ لدرجة أن فكرة "التشيع لأسباب نفعية" يمكن استبعادها كنمط سائد. وهنا يعلق سنداوي بين قوسين: "ولكن يبدو أن هذا الاستنتاج لا يعكس واقع كل الذين تشيعوا في سوريا، حيث تشير دراسات موثقة أخرى إلى أن نسبة كبيرة، من المتشيعين الجدد في سوريا إنما تشيعوا لأسباب مالية".
الاستنتاج الرابع والأخير، الذي يجب أن يقلق النظام العلوي، هو أنه إذا استمر المعدل الحالي للتشيع بين الإسماعيليين والعلويين في سوريا على حاله دون تراجع، فإن الإسماعليين سينقرضون في سوريا في غضون 10 سنوات، والعلويون خلال 25 سنة.
وهنا تعلق "زمان الوصل" بالقول: مضى على الدراسة التي تنبأت بانقراض العلويين في سوريا خلال 25 سنة 7 سنوات، ما يعني أن المدة المتبقية حسب الدراسة لا تزيد عن 18 عاما، علما أن الدراسة ربطت هذا الانقراض ببقاء التشيع على معدلاته، فكيف إذا عرفنا أن حضور الشيعة تعزز في سوريا بشكل لم يسبق له مثيل، بعيد اندلاع الثورة قبل حوالي 3 سنوات، حيث تدفقت آلاف مؤلفة من غلاة الشيعة والمتشيعين المسلحين (إيرانيين وعراقيين ولبنانيين وباكستانيين وأفغان، بل وحتى أفارقة).. كلهم تدفقوا على سوريا لمساعدة نظام بشار، فباتت لهم اليد الطولى في أي تقدم أو اختراق يحرزه هذا النظام، الذي كان متهاويا لولا أن تداركته هذه المليشيات، وهو ما أكدته شهادات مرتزقة عراقيين، تفاخروا بأنهم يقفون في الصفوف الأولى لأي معركة، بينما يقتصر دور جنود النظام "الخائفين" على القصف بالمدفعية والصواريخ من بعيد، وعلى الاستعراض بالطيران!
لاشك أن مثل هذا الحضور الشيعي المكثف والمسلح، من شأنه تقليص الحضور العلوي، والتسريع بـ"انقراض العلويين"، عبر إقناع مزيد من علويي سوريا للالتحاق بصفوف المتشيعين، إن لم يكن "إعجابا وتقديرا" بما يقدمه الشيعة من "خدمات"، فعلى الأقل ليضمن العلويون المتشيعون حمايتهم من أي تداعيات مستقبلية بعد سقوط النظام الطائفي، لاسيما أن إيران الصاعدة كقوة كبرى في الإقليم، تنصب نفسها بوصفها "حامية حمى الشيعة" في العالم كله، وهي تخضع علاقاتها (توترا أو تقاربا) مع دول المنطقة إلى مقياس وضع الشيعة داخل هذه الدول!
انتهى الجزء الثاني.. يتبع
في الجزء الثالث: جميل الأسد، والعلاقة بين التمهيد بالفقر والتمهيد بالمدفعية
زمان الوصل- إعداد وترجمة
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية