تنوه "زمان الوصل" أن المصطلحات المستخدمة هي تعابير مجردة، مع احترامها لكل الطوائف والأديان
تعمل "زمان الوصل" على مشروع لرصد الحركات الإسلامية المدنية والعسكرية... باختلاف طوائفها..
• الشيعة في سوريا لا يتجاوزون 1% من السكان، وقرابة نصفهم يتركزون في طرطوس.
• لم يخرج النظام عن دائرته الطائفية عندما قرر كسر احتكار العلويين لوزارة الإعلام؛ ما يعزز الشكوك حول "تشيع" الوزير الحالي.
طيلة عقود من حكم عائلة الأسد، كان النصيريون - الأسم التاريخي - (المعروفون بالعلويين) هم الظاهرون في واجهة السيطرة على مفاصل الدولة العسكرية والأمنية، وحتى بعض المفاصل المدنية، ولم يكن تعرّف السوريين على العلويين بالأمر الصعب، فالعلويون لم يكونوا يجهدون في إخفاء أنفسهم، سواء عبر احتفاظهم بلهجتهم المميزة، أو من خلال طريقة تعاطيهم مع الأشياء والأشخاص من حولهم، خلافا للشيعة (المتاولة) الذين لم يكن لهم أي حضور معلن، وكانوا أشد حرصا على "التخفي"، والتغلغل في أوساط المجتمع، دون أن يعرف كثير من السوريين عن هؤلاء أنهم شيعة، رغم أن بعضهم وصل إلى مواقع حساسة في الدولة والمجتمع وعالم المال!
ولكن وبعيد اندلاع الثورة السورية، مزق الشيعة في سوريا معظم إن لم يكن كل حجب "التقية"، وانطلقوا من وراء الكواليس، ليمارسوا دورهم مباشرة على مسرح الأحداث، فتواترت روايات نشطاء وأهالي حمص عن مدى الأذى الذي ألحقه شيعة الريف بسنّة المحافظة، مما يهون أمامه أذى عتاة النصيريين!
وكذا الأمر في إدلب وحلب بل وحتى في دمشق، حيث ظهر اعتماد النظام على مراكز ثقله الشيعية رغم إنها بلدات أو أحياء صغيرة تسبح في بحر سنّي، فكانت "الفوعة" و"كفريا" الشيعيتين في إدلب، كما "نبل" والزهراء" في حلب، كما "حي الأمين"، و"زين العابدين" في دمشق.
وخلافا للمتصور، فقد منح نظام بشار للقرى الشيعية -خلال الثورة- ما لم يمنحه للبلدات العلوية من امتيازات، حيث حصنها بتحصينات كبيرة ودجج أهلها بمختلف أنواع السلاح، حتى بدا إن سقوط "نبل" أو "الفوعة" لا يقل فداحة بالنسبة لبشار عن سقوط القرداحة نفسها!
لأجل هذه المعطيات وغيرها، وفي محاولة لفهم واقع الشيعة في سوريا، قررت "زمان الوصل" فتح ملف الشيعة والمتشيعين في سوريا، معتمدة على واحدة من أبرز وأحدث الدراسات التي نشرت قبل أعوام قليلة، حيث اطلعت "زمان الوصل" على النص الأصلي لهذه الدراسة التي دونت بالإنجليزية، محاولة استخراج أهم ما فيها وتقديمه للقراء.
الدراسة والدارس
الدراسة المعنونة بـ"دور الشيعة في سوريا" نشرت خلال حزيران 2009، في دورية "كرنت تريندس" (اتجاهات معاصرة)، التي يصدرها واحد من أعرق المعاهد البحثية الأمريكية (هدسون إنستتيوت)، وهي تعد بحثا نادرا إلى حد ما، كونه بحثا ميدانيا يستند إلى معطيات حديثة أولا، وثانيا كونه مكتوب بقلم واحد من أبرز الأكاديميين، الذين نذروا جل بحوثهم للتعمق في واقع الشيعة والمتشيعين، عقائديا واجتماعيا وأدبيا، حتى غدا واحدا من المراجع الدولية المعتمدة في هذا الباب، ألا وهو الباحث الفلسطيني خالد سنداوي.
ويعد البروفسور سنداوي من أكثر الباحثين المعاصرين غزارة وتعمقا في قضايا الشيعة التشيع، وله مؤلفات ودراسات عدة في هذا الباب، لعل أهمها: "معجم مصطلحات الشيعة"، "وفاة فاطمة الزهراء عليها السلام"، "من شعراء الشيعة في جبل عامل" (دراسة وتحقيق وشرح)، "ظاهرة التشيع في السودان"، و"دور الشيعة في سوريا".
وسنداوي، هو باحث أكاديمي نادر التخصص، من مواليد قرية الجشّ في الجليل الأعلى بفلسطين المحتلة، له ما يزيد عن 60 دراسة ومقالا نشرها في مجلات عالمية محكّمة، و10 كتب صدرت عن دور نشر عالمية.
ترقّى سنداوي في تعليمه الجامعي، حتى حصل على شهادة الدكتوراه عام 2000 عن أطروحته "مقتل الحسين بن علي في الأدب الشيعي".
وحرصا منها على تقديم هذه الدراسة في إطار متوائم مع أساسيات الإعلام الإلكتروني الذي يبتعد عن الإطالة، مع عدم تفويت أي معلومة مهمة، فإن "زمان الوصل" ستعرض أهم المقتطفات التي جاءت في الدراسة، على شكل حلقات مسلسلة.. وإليكم الحلقة الأولى.
تشجيع النظام أولاً
يقول "سنداوي" في بداية دراسته إنه "لم يكن في سوريا أبدا نسبة كبيرة من السكان الشيعة، ولكن السنوات الأخيرة شهدت زيادة في حالات التحول إلى المذهب الشيعي". مشيرا إلى أن "القرب الجغرافي لسوريا من إيران أدى بدرجة معينة لنفوذ إيراني، زاد مع وصول بشار الأسد إلى السلطة في عام 2000، بعد وفاة والده حافظ".
ويتابع: "تشجيع النظام في سوريا لنشاط التشيع الإيراني، قد يكون السبب الرئيس لزيادة التشيع، ولكنه ليس السبب الوحيد"؛ ذاكرا عوامل مساعدة أدت إلى التمدد الشيعي في سوريا، ومنها: وجود سكان شيعة سوريين، قوة الإعلام الشيعي، ما سماه حزب الله "انتصارا" في حرب لبنان عام 2006، الإغراءات الاقتصادية والتعليمية، هيمنة الطائفة العلوية.
ويؤكد سنداوي أن تقرير الحريات الدينية الدولية لعام 2006، الذي تنشره وزارة الخارجية الأميركية، أشار إلى أن الأقليات العلوية والإسماعيلية والشيعية وغيرها يشكلون 13 في المئة من سكان سوريا، أي حوالي 2.2 مليون شخص من مجموع السكان البالغ عددهم 18 مليون نسمة.
وهناك تقرير آخر بعنوان "الطوائف الدينية والمذاهب والمجموعات العرقية" نشر في 2005، من قبل مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية في القاهرة، يقول إن الشيعة يشكلون 1 في المئة من سكان سوريا، بينما يشكل العلويون بين 8 و9 في المئة.
وتوضح الدراسة أن سوريا تؤوي علاوة على شيعتها الأصليين، جالية من المهاجرين الإيرانيين الشيعة الذين يقيمون بصورة رئيسة في دمشق، فضلاً على عدد كبير من الشيعة العراقيين الذين فروا خلال سبعينيات وثمانينيات القرن، وتكاثروا بشكل أكبر مع وصول دفعات جديدة من الشيعة العراقيين في أعقاب غزو العراق عام 2003.
"دخل الله" شيعي
يقول سنداوي إن الشيعة يعيشون في معظم المحافظات السورية، لكن تركزهم الأكبر في طرطوس، وهي المحافظة التي تضم 44 في المئة من شيعة سوريا.
وينوه سنداوي بشخصيات مهمة قد لايعرف كثير من السوريين انتماءها الطائفي، مؤكدا أن "بعض الشيعة وصل إلى مناصب رفيعة في سوريا، بينهم مهدي دخل الله، وزير الإعلام الأسبق، وصائب نحاس، رجل الأعمال البارز"، معددا طائفة من العائلات الشيعية الأكثر شهرة في سوريا، وهي: نظام، مرتضى، بيضون، الروماني (ومنهم الممثل الشهير هاني الروماني).
وتنوه "زمان الوصل" بأن تعيين "دخل الله" الشيعي كان كسرا لاحتكار أعطى النظام بموجبه النصريين منصب وزير الإعلام عدة عقود؛ ما يعني أن هذا النظام لم يخرج من دائرته الطائفية إلا قليلا عندما عيّن "دخل الله" على رأس هذا القطاع، وهو ما يعزز الشكوك والأقاويل التي تثار حول تشيع وزير إعلام النظام الحالي "عمران الزعبي"، وإلا لما كان مؤهلا لتسلم هذا المنصب بالذات، ولا يبدو هذا مستبعدا، لاسيما في ظل ما كشفته تحقيقات رسمية بمقتل "محمد ضرار جمو"، حيث تبين من شهادة زوجته أن "جمو" الذي يعد من رجال النظام البارزين، قد تحول إلى المذهب الشيعي، خلافا لما كان يعتقده الكثيرون من أنه سنّي.
وحول تبعية شيعة سوريا الدينية، تقول الدراسة إنهم لا يتبعون مرجعا واحدا، فالبعض يتبعون "علي السيستاني" في النجف بالعراق. وآخرون يتبعون "علي خامنئي"، المرشد الإيراني، وآخرون (كانوا) يتبعون محمد حسين فضل الله في لبنان، الذي كان على قيد الحياة وقت نشر الدراسة.
وتحت عنوان "العامل العلوي"، يتساءل سنداوي عن تفسير المعاملة التفضيلية التي يحظى بها الشيعة في سوريا، ليجيب إن الوضع الإيجابي للشيعة كان موجوداً حتى قبل مجيء بشار الأسد، الذي تقارب بشكل كبير مع إيران وشجع نشاطها التشييعي العلني.
ويعود سنداوي إلى الورءا قليلا، ليقول إن "حزب البعث الحاكم كان يدرك دائما موقفه المقلقل، ومن هنا كانت النخبة العلوية المهيمنة على الحزب تحاول أن تحافظ على التوازن بين ادعائها انتماء العلويين إلى المذهب الشيعي الإثنى عشري المعترف به، وبين ضرورة الإبقاء على هويتهم الحقيقة والحؤول دون فقدان الطابع العلوي العرقي والثقافي، الذي يتضمن عقائد وممارسات مذهبهم السرية".
وواصل سنداوي: لذا انتهج حزب البعث سياسات تهدف إلى إضفاء الشرعية على العقيدة العلوية، التي لعبت دورا بارزا في صياغة سياسة الحكومة السورية تجاه الشيعة، وكان أحد أبرز نتائج هيمنة العلويين السياسية، هو إيلاء دمشق اهتماما شديدا بعلاقاتها مع وإيران ولبنان، حيث كانت العلاقات مع الأخيرة تتعزز بفضل العلاقات الشخصية لأركان نظام الأسد مع زعماء لبنان الشيعة.
انتهى الجزء الأول.. يتبع
في الجزء الثاني: هل سينقرض العلويون في سوريا؟!
إعداد وترجمة: إيثار عبد الحق - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية