حوارات وتصريحات | |
|
فراس طلاس..حارتنا ضيقة وبنعرف بعضنا

ليس على مبدأ "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر" لأن فراس مصطفى طلاس لم يتنكر لأسرته ودورها ولا لأبيه وما فعله في ترسيخ دعائم الأسد الأب ومن ثم الإبن، أي أنه اعترف قبل أن يتهمه أحد، ونادى بالعزل السياسي منذ إطلالته الأولى على الإعلام، واليوم يطالب بالمحاسبة حتى لوالده.
أما من يرمي الحجارة فهو ليس مسيحاً ولا مريم، ودونما تقليب في دفاتر الماضي والغرق في استعراض العضلات التي نراها ونسمعها اليوم، جميع السوريين مدانون- بشكل أو بآخر – في تعميق وتجذير حكم الأسد، وإن كانت نسب التوريط متباينة، فهذا لا يعني تنصيب أنفسنا حكاماً وجلاداً، مع الاعتراف أن ثمة من وقف في وجه التمدد الأسدي منذ البداية فدفع أثماناً باهظة، اعتقال وقتل وتهجير ونفي، لكنهم قلة، وجلهم يتفهمون ظروف الآخرين وقلما نراهم أو نسمعهم يتهمون ويقصون، بل ظني على العكس.
في الأمس، حاور"زمان الوصل "فراس طلاس، في سبق يحسب للإثنين، وتتالت ردود الأفعال التي تجعل أي قارئ ومتابع يقف ملياً ويسأل، ترى هل قام السوريون على الأسد ليقعوا في براثن "بعثيين جدد"، وهل من حق لأي سوري أن يتهم ويطالب بالقصاص بعيداً عن قوس القضاء الذي طالب به ابن وزير الدفاع الأسبق.
وأيضاً، هل للزمن كل الأهمية في الثورة، فأنا انشققت قبلك بأيام ما يعني لي حقوق تخولني حتى بالتشكيك بتأخرك، وأحياناً تخوينك ومحاسبتك، وهذه الذهنية سائدة ويتعامل خلالها الثوار و الساسة والمنشقين، حتى في المجلس الوطني والائتلاف؟!.
سأسأل سؤالاً مباشراً، ألا يؤخذ بالاعتبار الخسائر التي تكبدها المنشق- أي منشق – والمكاسب التي حصدها منشق – أي منشق– بمعنى آخر، هل يمكننا النظر بنفس المعيار لمن خسر منصباً ومالاً وعزاً لينضم للثورة وبين من كسب مالاً ومنصباً وعزاً من الثورة، وهل يمكن تجاهل من صار محللاً وسياسياً وصاحب مجد وعزوة ومرافقة وكتائب وارتباطات وعلاقات خارجية وأرصدة، وهو قبل الثورة لم يكن، بل وقام بالثورة أو انضم إليها احتجاجاً على من كانت له وعنده وعليه؟! .
وسأسأل: هل من وعود أو وضوح رؤية حتى الآن لمن يتبجح أن فلاناً انشق وهرب من السفينة عندما شاهدها تغرق، كي يكسب في المستقبل كما في الماضي ويهرب من المحاسبة، بمعنى، هل لأي سوري أو أي إنسان أن يتنبأ متى سيسقط النظام الأسدي في واقع التخاذل العالمي وعدم اتخاذ سوى قرار تهديم سوريا وحلم السوريين، وإن بقيادة النظام الممانع.
وأيضاً أسأل: هل هو شرط أن يتبجح طلاس وغيره بما فعله ويفعله للثورة والثوار ولا يغادر استوديوهات المحطات، كي يقنع أصحاب دكاكين توزيع شهادات الوطنية وحسن السلوك ويرضى عنه وكلاء الثورة وأربابها، ومن أدرانا ما قدمه الرجل عدا خساراته بالمليارات والتي وصلت- خساراته- لإطلاق حكم الإعدام عليه؟.
أما الأهم، هل كل ما نقرأه من ردود على حديث طلاس والتوعد له ولذويه ولأمثاله، يشجع أي ركن من أركان النظام على الانشقاق والانضمام إلى ركب الثورة، وهل في صالح الثورة أن يبقى أباطرة المال والإعلام والثقافة مع النظام أم في صفوفها؟!.
ولطالما يقول طلاس إنه لا يسعى لأي منصب وليس لديه هاجس سياسي، لا في الماضي ولا في الحاضر ويطالب بمحاكمة الجميع بمن فيهم أبيوه وأخوه ويترك للشعب السوري تحديد مصير مستقبل بلاده، فهل في ذلك غير ما خرج له السوريون وطالبوا فيه منذ اليوم الأول للثورة؟!
آخر الأسئلة وسامحوني للإطالة، ما هي مصلحتي من هذا الطرح الذي يبدو- في شكله على الأقل –دفاعاً عن فراس طلاس بعينه، رغم أني أتوقع أن أواجه بسيل من الاتهامات والانتقاد على أني لا أختلف كثيراً لطالما كنت أعمل في الجريدة الناطقة باسم الحزب الحاكم ولأكثر من عقدين من الزمن.
أولاً لن أدافع عن فراس طلاس والأرجح أنه لا يحتاج دفاعاً، لكني أدافع عن فكرة وأهاجم ذهنية، وللعلم لم أحصل من هذا الرجل على أي شيء رغم أنه كان من المعلنين الأوائل وأنا أول من أسس إعلاماً اقتصادياً خاصاً في سوريا، وهذا أرشيف مجلتين أسستهما- إلى جانب عملي بجريدة البعث – لا يوجد فيهما على مدى ست سنوات أي إعلان لشركات السيد طلاس رغم أني حاورته في كليهما، وكنت قاسياً في أسئلتي وكان دبلوماسياً ومنسجماً في إجاباته، وأذكر أن أول سؤال سألته لفراس طلاس كان بما معناه، أين دور العماد مصطفى طلاس في تكوين ثروة فراس طلاس، وكان وقتذاك الأب وزير دفاع ووضع البلد يعتبر هكذا أسئلة فتحاً.
وللتاريخ، معظم صحافيي الداخل الآن، أي من هم رماديون أو مؤيدون للنظام، كانوا يتملقون فراس طلاس ويحصلون منه على إعلانات وربما على أشياء أخرى لا أعلمها.
وأدافع عن ذهنية وأهاجم أخرى لأنه في طبعي، فأنا من دافع عن الكبير الراحل عصام الزعيم وواجه الخطر الحقيقي لأجله، ولعل الأرشيف والتاريخ يشهدان، بل وصلت للدفاع عنه أمام الرئيس بشار الأسد وأنا من كان سبباً في إنصاف الزعيم وإلغاء الحجز الاحتياطي عنه، وقد كلفني دفاعي أثماناً كبيرة لكني راض وأفتخر، وأنا- أعوذ بالله من كلمة أنا – من دافع عن مدير هيئة البطالة الكبير حسين العماش ووقف في وجه قرار رئيس وزراء وكتبت العماشية وأيضاً في وقت يعد ذلك جنوناً.
لست في وارد التفاخر، بل أعتبر نفسي مقصراً لأني تأخرت في انشقاقي وإعلاني موقفاً ضد نظام الفساد والقتل، وتحملت مسؤليتي ومستعد للمزيد وأحاول عبر إمكاناتي وطرائقي أن أكفّر رغم أني لم اقترف أي خطأ، بل دفعت من دم أهلي وعمومتي وخسرت وخسر آلي كل شيء.
و عندما عملنا كجريجي إعلام في جريدة البعث لم يك غير ثلاث صحف تكرر بعضها وهربت للعمل الخاص عبر عشرين وسيلة ...ورغم ذلك مازال يواجهني البعض ممن كانوا يلعقون الأحذية في سوريا ويتهمونني كما يتهمون كل من كان يعمل في مفصل حكومي.
لماذا زججت بحكايتي رغم أني بدأت بفراس طلاس، لأن الحكايا كلها متشابهة، فما قيل عن طلاس قيل عن رئيس الوزراء رياض حجاب وكل المسؤولين الذين انشقوا، بل ويسمّون فلولاً ولم يُسمح لهم الدخول في العمل الثوري السياسي ومازال التشكيك بهم وبنواياهم رغم تركهم لكل شيء واستجابتهم لنداءات وطنهم وضمائرهم واستغاثات أطفال سوريتهم.
نهاية القول: لا يمكن الخلاص من نظام وحكم وآلية من خلال الطرائق ذاتها التي تكرست عبرها تلك الآلية، أي إن سيذهب الأسد كي يأتي من هو أظلم منه ومشكك أكثر منه وحاقد أكثر منه وإقصائي أكثر منه..فأي ثورة هذه وأي مستقبل نرجوه لأولادنا بعد أن فقدنا أي أمل نحن الآباء.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية