ليست هي المرة الأولى التي تستعر فيها نار الفصائل في إدلب وريفها، ودائماً ما تنتهي بتدخل فصيل في النزاع لـ(تبويس) اللحى المؤمنة، وأما الضحايا فهم مواطنون لا ناقة لهم ولا بعير في صراع الفيلة.
تجربة الغوطة الشرقية ما تزال شاهدة على صراع دموي انتهى إلى خسارة كل أطرافه للأرض والمقاتلين والبشر الذي طالما كانوا حاضنة مسكينة مغلوبة على أمرها، وأما القادة الميامين فيعيشون في سكينة وهناء، ومشاريعهم الاقتصادية في أفضل حال، وأما الحاضنة فصارت مخيمات غرقت في شبر ماء حيث لا معين إلا الله.
أيام عصيبة تمر على الناس في ريف ادلب حيث منذ أيام تستعر المعارك تارة بين هيئة تحرير الشام والزنكي، وبين تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير حيث وردت أنباء عن حشود متبادلة بين الطرفين، ودعوات للمواطنين بالتزام بيوتهم، وإعلان لحظر التجول في سراقب.
قبل نهاية العام أدت المعارك الطاحنة إلى سقوط عشرة مواطنين بينهم طبيب، وهذا عدا الأعداد غير المعروفة والكبيرة بالتاكيد بين تحرير الشام والزنكي، واتهامات متبادلة عن المسؤولية في اندلاع الاشتباكات، واقتحامات للمدن والحواجز، وانتقال المعارك إلى غرب مدينة حلب، وأما الناس فتنتظر توافقاً جديداً أو انتظار قذيفة خاطئة تطيح بضحايا جدد في معركة لا منصر فيها سوى الموت.
إذاَ...وعلى حس بالمثل السوري (المكتوب واضح من عنوانه)، وليست سنة جيدة على السوريين فيما يعرف بالمناطق المحررة، واغتيالات الملثمين تطورت لتصير حرباً بالأسلحة الثقيلة، وأمان هذه الفصائل ليس سوى مظهر مسلح لا يحمي أحداً، وهو على العكس بات يثير الخوف والريبة.
السوريون في هذا الشمال المكلوم يذوقون (الأمرّين)، وفوق حرب قلة الموارد والغلاء وانعدام وسائل الدفء تأتي حروب الفصائل لتزيد اوجاعهم وجعاً، وأما المخيمات فحدث ولا حرج عن مآسٍ تدمي القلوب...أطفال يموتون من البرد وخيام تغرق بالماء والوحل حيث الشتاء في أوله، والقادمات تخفي من سيولها وبردها ما لا يعلمه إلا الله.
الفصائل المتناحرة لا يهمهما بالمطلق ما يجري للناس، وهم سواء في هذا مع اولئك الذين أغلقوا المخازن على الأهالي في الغوطة لتأكلها الفئران وتتعفن، والأهم هي أن ينفذوا ألأجندة التي حفظوها عن ظهر قلب وهي القتال الأرعن سمعاً وطاعة لمن أصدر الأمر وموّله.
ليس من أجل هذا الخناق ثار السوريون، ولم يكن أكثرهم تشاؤماً يتوقع أن تصل حالة التردي إلى ما هي عليه، وأن تنتقل البندقية الموجهة لصدور الناس من البسطار العسكري إلى فتاوى تجيز الذبح والقتل، وأن يكون الخوف سيد الحواري والمدن، والملثمون هم سادة المكان وحاكموه، وأما المعارك فهي بين أبناء البلاد الذين ارتهنت عقولهم وراياتهم الجديدة.
أوغلت الفصائل في غيّها وصلفها على الناس، والمستقبل معتم ومجهول، وأما التهديد فهو من فوق ومن تحت، والجميع ينتظر انفجاراً لا يحمد عقباه، والعقل إما أن يحكم أو فإن الجنون سيأخذ الجميع إلى خراب الخراب.
*عبد الرزاق دياب - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية