أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الدراما (بتتكلم مصري).. فؤاد حميرة*

صورة تعبيرية - أرشيف

تحذر المخرجة كاملة أبو ذكرى على صفحتها في "فيسبوك" من تدهور صناعة الدراما المصرية، والتي يعمل فيها ويستفيد منها نحو 2 مليون مشتغل في الحقل الدرامي، كما يكتب الناقد عمر قورة في جريدة (المصري اليوم) مقالا يطالب عبره بدراسة أزمة الدراما المصرية معددا بعض أسباب الحالة التي وصلت إليها الدراما المصري، وإن كنا نختلف مع (قورة) في كثير من مفاصل مقالته، إلا أننا جئنا على ذكره للتأكيد على أن أهل الدار يستشعرون خطرا يحيق بالدراما المصرية التي انخفض إنتاجها من حوالي 70 مسلسلا سنويا إلى نحو 11 عملا هذا العام ما يؤشر على انهيار وشيك قد تشهده الدراما المصرية. ونحن هنا نحذر من موقع المحب والقلق فعلا على دراما تربى عليها عشرات الملايين في العالم العربي فـ(السينما بتتكلم مصري)، كما يقول الناقد المعروف طارق الشناوي، وكذلك الدراما (بتتكلم) عربي فإذا أصيب الفن المصري بوهن رقد الفن العربي في الفراش.

نبدأ أولا بأسلوب عمل شركات الإنتاج والتي تحفر قبرها بمعاولها وتسير نحو هاويتها بسبب أسلوب عملهم المعتمد على الكتاب للنجم، وإليكم مثالين مأخوذين من جريدة مصرية واحدة في نفس العدد:
1- ورشة كتاب أنجزت الحلقات الأولى من مسلسل علي ربيع الآخر.
2- أيمن وتار يكتب مسلسسل دينا سمير غانم الجديد.

إذا النص هنا لا يهتم بالفكرة وإنما كل الاهتمام ينصب على رضى النجم وهذا النجم لن يرضى، إلا إذا كان ٨٠ بالمائة على الأقل من الحوار للسانه هو والأمثلة كثيرة منها عادل إمام في كل مسرحياته وأفلامه ومسلسلاته منذ أن أصبح نجما وبطلا مطلقا، بل ان بعض المسرحيات (الزعيم) على سبيل المثال تكاد تكون مجرد (one man show) للفنان عادل إمام.

إن لم تكن الفكرة للناس ولأجل الناس فقط وقبل كل شيء، فإن الحاجز بين النص والناس قد تم خلقه حتى قبل عرض المسلسل، إذ لن يرى المشاهد إلا ما يعتم به بطل العمل وما يهم بطل العمل، أما مشاكل الفقر والحاجة والأمية والبطالة، فلن تجد لها مكانا في ثل هذه الأعمال، إذ يذهب الكتاب نحو مواضيع غريبة منها على سبيل المثال عمليات سرقة لبنوك إسرائيلية أو تاجر مخدرات في الصعيد، أو الحديث عن الإرهابيين الذين يريدون تخريب النيا والبلاد والعباد دون سبب أو هدف سوى أنهم متدينون متطرفون دون التطرق إلى الأسباب الحقيقية لهذا الإرهاب وفهم دوافع الإرهابي ومعرفة الأسباب التي تدفعه نحو تصديق الشعارات المتطرفة والإيمان بها. لن تجد في الوطن العربي شخصا يؤيد الإرهاب أكاد أجزم بذلك ولا يؤمن به أو بمرتكبي فالإرهاب عمل إجرامي مدان في نظر الجميع ولا يحتاج لعشرات المسلسلات لإقناع المواطن بخطورته، فكلنا ندرك انه حالة إجرامية تهدد المجتمعات العربية بل والدين الإسلامي ذاته، ولكن ماذا عن الجهل والأمية؟ ماذا عن البطالة والعطالة وفقدان الأمل والعوز والحاجة؟ ماذا عن كل تلك الأسباب التي تشكل التربة الخصبة لنمو الحركات الإرهابية؟.

في العودة لموضوعنا، الكتابة يجب أن تكون للناس ولأجلهم وليس لأجل النجم، فلقد همس لي البعض أن النجم هو من يختار الكاتب وشركة الإنتاج والمخرج والممثلين، هذه دراما النجوم، وليست دراما البسطاء والفقراء الذين يشكلون 90 بالمائة من المجتمعات العربية.

لا شك أن الأوضاع العربية بعد ثورات الربيع العربي قد فرضت نفسها بقوة ليس على الدراما فقط وإنما على كل مناحي الحياة عند الحكومات والشعوب العربية، ولا شك أن الفن العربي يرزح تحت وطأة النتائج التي وصلت إليها ثورات هذا الربيع ولكني أعتقد شخصيا أن ما حدث كان فرصة نادرة للدراما العربية لتطوير أدواتها والارتقاء إلى مستوى الحدث، إنها فرصة تاريخية أضاعتها الدراما فالمادة الخام للدراما متوفرة وبكثرة والموضوعات التي يمكن شرحها والحديث عنها أكثر من أن تحصى، لكن الدراما العربية فوتت هذه الفرصة عبر التحول إلى نوع من الدراما لا يهتم بها المواطن ولا هي تهتم به أصلا.

الشعار الخطير الذي يردده المنتجون منذ سنوات ويتزحلق به كثير من الفنانين والنجوم والكتاب هو الشعار الذي يقول إن الدراما صناعة وهي كغيرها من السلع خاضعة لرغبات وشروط المستهلك، والمستهلك هنا هو المحطات الفضائي التي تشتري هذه الأعمال، وهذه المحطات بدورها تروج لفكرة أن المواطن يعاني الكثير في يومياته، ولذلك فنحن نحتاج إلى دراما تنسيه مشاكله وهمومه ، نعم بهذه الوقاحة الفاضحة يتحدث أصحاب ومسؤولي المحطات الفضائية (أن ينسى المواطن همومه) ولو ذهبنا إلى تصحيح الشعار السابق كما تريده المحطات حقيقة فسوف يكون على الشكل التالي (إن هدفنا هو أن ينسى المواطن العربي همومه) وفي الرد على مثل هذه الأقاويل الفارغة نحتاج للكثير من الكلام الذي لا يتسع له المجال هنا ولكن أختصر في فكرة ان المواطن لا ينسى همومه لا بالمسلسلات ولا بغيرها فحتى لو كانت هذه المسلسلات ناجحة في أهدافها بنسبة مائة في المائة فإن المواطن العربي سوف يستيقظ على همومه مع بدء شارة نهاية الحلقة.

سوري يكتب عن الدراما المصرية !!
قد يثير ذلك حفيظة الإخوة المصريين ويقولون لماذا لا يكتب عن الدراما السورية التي تشهد انهيارا كبيرا على كل الصعد، وللإجابة على ذلك أقول نعم الدراما السورية تنهار أيضا، ولكن الدراما الصرية هي المقياس، ونذر جميعا كيف أن نهوض الدراما المصرية في مرحلة من المراحل أدى بدوره إلى تشجيع الدراميين السوريين كتابا وصناعا وقدمت الدراما السورية حينها أبهى أعمالها التي ما زالت حاضرة في ذاكرة الكثيرين، حتى أن التنافس كان واضح وجليا بين الدراما السورية وشقيقتها المصرية، هذا التنافس خلق حالة من السمو الإبداعي عند كلا من الطرفين فكان الجنون الإبداعي في أبهى حالاته حتى أنه وصل حالة من التصوف في بعض الأعمال الخالدة في الدراما العربية.

ما هو دور الرقابة ؟؟
إن أصعب ما تواجهه الدراما العربية هو الرقيب الذي يكون في غالب الأحيان عنصر أمن وظيفته منع أي انتقاد للوضع القائم، وكأن هذا الانتقاد سيزلزل أنظمة حكم وكلنا يعرف ان ذلك غير صحيح، فأي ضابط في الجيش قادر على صناعة التاريخ (سلبا أ إيجابا) أكثر من أي فنان أو كاتب، أتحدث هنا عن القدرة على صنع الأحداث في التاريخ لا عن وجود المفكر والكاتب والفنان وتواجده في صفحات التاريخ. في ظل انتشار الأمية التي بلغت مستويات مرعبة وقياسية وفقا لإحدى الصحف المصرية يكون التلفزيون وسيلة التوعية الوحيدة المتاحة لدى الحكومات، هل تذكرون أنديرا غاندي رئيسة وزراء الهند الراحلة؟ لقد قامت بتوزيع ملايين أجهزة التلفزيون في الريف الهندي مجانا لإيمانها بأن التلفزيون أحد أهم وسائل الوصول إلى العقول الأمية والجاهلة لتوعيتها، فيما أن ما يجري الآن ليس توعية وإنما إعادة تشكيل لبنية العقل العربي بتوجيهه نحو كل ما هو سطحي وتافه، ربما نحتاج إلى نبلاء يشبهون أنديرا غاندي وعشق للناس يشب عشق هذه المرأة الخالدة.

*من كتاب "زمان الوصل"
(202)    هل أعجبتك المقالة (178)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي