منذ أيام مرت ذكرى مقتل الرئيس العراقي صدام حسين "30 كانون الأول"، الذي أعدم صبيحة عيد الأضحى من العام 2006 في سلوك وصف حينه بأنه لا إنساني، فضلا عن أنه غير قانوني.
الرجل رحل ولن نخوض أكثر في تفاصيل قانونية وشرعية وجوده أصلا في السلطة فالرؤساء العرب، كل الرؤساء جاؤوا الحكم عنوة، إما انقلابا وإما توريثا لم يستشر الشعب به، ولعل الرئيس الوحيد الذي وصل الحكم بفعل ديمقراطي هو محمد مرسي، وها هو قابع الآن في السجن، بينما يعاد إنتاج وتلميع من عجزت الإحصاءات عن الإحاطة بما ارتكبه من جرائم، سواء بالمفهوم الجنائي أو السياسي وصولا للاقتصادي والاجتماعي، حتى صار يكتفى بالقول: "نصف الشعب السوري بين قتيل وجريح ومعتقل ونازح ومهجر ولاجئ".
ما كان ملاحظاً في الوسط السوري المعارض عبر وسائل التواصل الاجتماعي استذكار صدام حسين - الذي امتلك شجاعة الحلم وكان صاحب مشروع سواء اتفقنا مع آليات التنفيذ أم لم نتفق- في مقارنة ضمنية وأخرى صريحة بالرؤساء والمسؤولين العرب الذين بدؤوا بالعودة إلى "حضن الوطن" في دمشق.
وكأن السوريين من أهل الثورة وبعد أن طحنهم تضارب المصالح الدولية، جاء دور العرب ليخذلوهم علانية، فباتوا يبحثون بين الأموات عمن يناصر واحدة من أعظم ثورات الشعوب وأحقها بالمؤازرة من قبل أولئك الذين يرتمون بحضن إيران السوري، ويزعمون حربها على تويتر.
ولعل ما هو مدعاة للسخرية أن هذه العودة يعلن عنها تحت يافطة محاربة النفوذ الإيراني في سوريا، بينما تهدد طهران دول الخليج العربي بالحديد والنار بشكل مباشر وعلى لسان رئيس هيئة اركان جيشها ومن فوق ثرى جزيرة "أبو موسى" الإماراتية الخاضعة للاحتلال الإيراني، دون أن ينبس كل المدافعين عن عودة العلاقات مع النظام في دمشق ببنت شفة، ويكتفون بحرب شعواء يخوضها ذبابهم الإلكتروني لمحاربة الربيع العربي والترويج لفكرة "المصالح" في إعادة العلاقات مع دمشق.
بات مملا الحديث عن مفهوم العلاقات الدولية وارتباطها بالمصالح، بل ويمكن القول إنه يصل بالمرء حد القرف عندما يستشهدون بما قاله رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل: "لا أعداء دائمين ولا أصدقاء دائمين بل مصالح دائمة"، وكأن هذه الدويلات الوظيفية لها من جبروت وقوة وديمقراطية بريطانيا شيئا..
ارتباط المصالح بالعلاقات الدولية على الطريقة العربية، لا يخرج عن سياق فهم المصلحة على أنها مصلحة وجود الحاكم وأسرته، بل أحيانا الحاكم من دون أسرته، وله من الوقاحة والجرأة في سبيل ذلك أن يفني بلدا كاملا في سبيل أن يبقى ولو "رمزيا" بمنصبه، أما ممارسة كل أنواع الخنوع والذل والانبطاح لأصحاب القرار الدولي فهو من نافل القول..
لكن كل هذا لن يمنع من قدوم لحظة الانفجار، لحظة لن تحتاج الكثير من البارود، فما اشتداد القبضة الأمنية والاعتقال لمجرد كلمات تكتب على مواقع التواصل، إلا مؤشر رعب الأنظمة، وقد تنجح في السيطرة وتلافي ما حصل مطلع العام 2011 لبعض الوقت لكنها لن تنجح طوال الوقت، ويكفي للتيقن من ذلك تذكر سنوات ما قبل الربيع العربي، أما التخويف بتكرار التجربة السورية.. فهو دواء يلتهمه المواطن العربي عبر إعلام مدجن، وهو يعرف أن صلاحيته انتهت..
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية