يتصالح "أشباه الرجال" مع بعضهم البعض.
***
من المرَّات القليلة التي نجح فيها بشار الأسد بقول كلمة صادقة، كانت تلك المرَّة التي وصف فيها زملاءه من الحكَّام العرب بأنهم "أشباه رجال" سنة 2006.
والحقّ أنه، بذلك، نجح في تسمية النادي الذي ينتمي، هوَ وهم، إليه: نادي أشباه الرجال.
هذا النادي الذي فرَّقه ارتعاش أرجل الكراسي في بدايات الثورات العربية، عاد اليوم ليلمَّ شمله ويلمَّ شَعَثه.
إنَّ "التطبيع" الحاصل بين الدول العربية ونظام الأسد، هو في حقيقة الأمر ليس تطبيعاً بالفعل. فما يحدث هو أقرب ما يكون إلى المصالحة مع الذات. فقد زوَّر الحاكم العربي نفسه بما فيه الكفاية، حين ادَّعى وقوفه مع الشعب السوري في ثورته، وحان وقت التصالح مع الذات.
وكم كنَّا مخطئين، دون أن ننتبه، يوم استعملنا مصطلح "تطبيع" عند الحديث عن إمكانية إعادة العلاقات بين الحكومات العربية وحكومة الأسد. فهذا المصطلح يُستخدم، وعلى الدوام، في سياق الحديث عن عدوَّين أو خصمَين أو متنافرَين. بينما نظام الأسد وأنظمة العرب التي تتصالح معه ليسا عدوَّين ولا خصمَين ولا متنافرَين.
كلّ حاكم عربي، حين يأتي عليه الدور، هو بشار.
بعضهم بشار مع عِقال وشماغ، وبعضهم بشار مع بدلة عسكرية، وبعضهم بشار مع زيّ شعبي... لكنهم -حين يخلعون أزياءهم- بشار.
كلّ ما نُسمّيه إعادة علاقات مع النظام، من زيارات وإعادة فتح سفارات وتصريحات تشيد بالنظام ورأسه، ليس إلا مظهراً من مظاهر احتفاء الحاكم العربي بتصالحه مع الذات. ليس إلا حفلةً ماجنةً حَرَمته فتوَّةُ الثورات العربية من إقامتها قبل سنوات.
من يُصدِّق بأنَّ الحاكم العربي الذي تحوَّلت سجونه إلى معلَّبات للحوم سجناء الرأي، والذي حوَّل فكرة "بساط الريح" الساحرة في "ألف ليلة وليلة" إلى أشهر أداة للتعذيب، والذي شرعنَ تقديس ذاته بقوانين (ذات ملكية، ذات أميرية... إلخ)، يمكنه حقاً أن يُؤيّد قرار الشعب السوري في إشعال حطب الثورة؟
اليوم، يتصالح الحاكم العربي مع نفسه، مقيماً حفلاته الصغيرة في سفاراته، تمهيداً لحفلته الكبرى المزمع عقدها في "الجامعة العربية".
اليوم، تخرج صحافة الحاكم العربي بمانشيتات عريضة عن سوريا، استُبدلت فيها عبارة "عودة اللاجئين" بعبارة "عودة السفراء".
*معارض سوري - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية