آلاف السوريين في خيام اللجوء يغرقون بالوحول والأمطار وتتناقل عشرات الفضائيات ووكالات الأنباء والصحف أخبار هذه الكارثة الإنسانية، بل هم يتاجرون بآلام وأوجاع أهلنا في الخيام نعم هي متاجرة بالمشاعر الإنسانية وجميعنا يتوزع بين اللامبالاة وصولا إلى الاكتفاء باللطم والندب والردح مرورا بانتظار الأمم المتحدة وهيئاتها الإغاثية، وإن تأخرت الأمم المتحدة (وهي غلبا ما تفعل) نكيل لها الشتائم والسباب هذا كل ما نستطيع القيام به دون أن يخطر في بال أحد أن يسأل عن أموال أمراء النفط ومشايخ الدين، أولئك الذين أثروا على حساب المتاجرة بالشريعة والفقه، دون أن يسأل أحد عن المستثمرين ورجال الأعمال العرب بعامة والسوريين على وجه الخصوص، أين هم رجال الأعمال الذين يتباكون على الدم السوري وعلى الحال التي وصل إليها السوريون لماذا لا نراهم الآن يتشدقون بالإنسانية؟ يبدو واضحا أن تقديم المساعدات لأهلنا في خيام البرد والجوع لن يجلب لهم الأرباح هذه المرة.
أقل من مائة مليون دولار كانت كافية لإنقاذ أهلنا من هذه الكارثة التي لا أجد لها وصفا، وهو مبلغ قليل بالنسبة لأي أمير يذهب في رحلة بحرية أو تمويل محطة تلفزيونية لأحد مشايخ وتجار الدين، هو مبلغ يكاد يكون لا قيمة له عند تجار الفنادق والاستثمارات والمشاريع الإنسانية في أقاصي الأرض، وبعيدا فقط عن أبناء بلده وأبناء جلدته، في حين أنه لا يوفر فرصة للبكاء على السوريين وعلى أوضاعهم.
تمويل نشرة الأخبار في قناة عربية لمدة شهر يكفي لوقف كل هذه الكارثة أو التخفيف منها على أقل تقدير لإنقاذ الأطفال من الموت بردا أو الموت غرقا في برك الوحل والطين.
سوف تحتفلون برأس السنة كالعادة وسوف تهدأ عاصفة اللطم والدموع على كارثة خيام الموت كالعادة، وسوف تتكرس حالة اللامبالاة في نفوسنا حتى نعتاد اللامبالاة حيال إخوتنا في الوطن إخوتنا في القومية إخوتنا في الدين إخوتنا في الإنسانية وهذا هو الأهم.
أعرف أنه مجرد كلام وأنها مجرد مقالة لن تقدم أو تؤخر، وهذا ما يدعوني للموت حقا وقهرا، أعرف أن أحدا لن يبادر ولن يمنح تلك الخيام أكثر من إعجاب على صفحات "فيسبوك"، وهنا مكمن الحقيقة القاتلة، علينا أن نفتح أعيننا جيدا وأن ننتبه لما يفعله بنا زعماء الدين وزعماء المعارضة وزعماء المال، إنهم يتاجرون بدمنا جوعنا وموتنا الذي أصبح تسولا للمشاعر فقط على شاشات الفضائيات القابعة في ذلّ الدفاع عن أنظمتها وتبرير اخطائها وتصوير غبائها على أنه نوع من العبقرية الجديدة وتحويل هزائمها إلى انتصارات وجرائمها إلى أعمال تستحق الاحترام، وتصوير زعمائها الأقزام على أنهم عمالقة يرعبون أعتى رؤساء الدول.
الكذب يلفنا أيها السادة من المهد إلى اللحد، النفاق سيد الموقف وكل يسعى لتحقيق الربح، فالدولار أغلى من روح بشرية.
لن أقول إن من يموتون في الخيام أو يغرقون في الصقيع والوحل هم سوريون، أبدا هم بشر هم ينتمون للإنسانية التي أصبحت علكة مستهلكة وقديمة، الإنسانية التي لن يتحرك أحد لإنقاذها إن لم يكن من ورائها دولارات.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية