الظروف المأساوية التي يعيشها النازحون في المخيمات على الحدود التركية بدءا من ريف اللاذقية وصولا لمنطقة "درع الفرات"، ما كانت تنقصها أمطار غزيرة ينتج عنها فيضانات تقتلع مئات الخيام وتقتحم أكثر من هذا العدد وتعيد تشريد آلاف منهم، إنه قدر السوري الذي زادت مأساته قيادات سياسية وعسكرية تسلطت عليه وتحكمت بتفاصيل حياته، وجعلتها سوداء كحقدها.
كان السوريون الثائرون بحاجة لقيادة تسير بهم على درب الانتصار على بشار الأسد، تلقفت هذه الحاجة جماعة انتهازية شكّلت على عجل برعاية إقليمية ودولية مجلسا وطنيا على مقاسها ضم إلى جانب رجالاتها عددا من العجائز المتقاعدين في المغتربات، إضافة لبعض المغامرين من الشباب الذي يسهل التحكم بهم، لكن الحاجة لجسم يقود عربة الثورة خارجيا وينطق باسمها سياسيا دفع السوريين لمنحه شرعية بقيت منقوصة بجمعة مظاهرات رعت تسميتها نفس الجماعة.
لم تقصر هيمنتها على التشكيلات السياسية المتعاقبة بل اشترت انتماء غالبية القيادات العسكرية بالتمويل، وبذلك امتلكت سلطة السياسة والعسكرة، وبنظرة سريعة على ما وصلت إليه حالة ثورة السوريين اليوم ندرك حجم النجاح الذي حققته.
بعيدا عن هذا، على أن أعود إليه في الختام، شهد العالم الافتراضي للسوريين يوم أمس حملة غير مسبوقة على القيادات العسكرية والسياسية للمعارضة، وصلت حدّ الشتم، والمطالبة بتعليق مشانق سارقي الأموال التي تصل لدعم السوريين المنكوبين، والذين استثمروها بمشاريع تحفل فيها تركيا وبعض الدول العربية والغربية لمصالحهم الشخصية.
الحملة أتت عقب الفيضانات التي ضربت مخيمات النزوح، ووقوف الجميع متفرجين عليها، وحفل كثير من المنشورات بأسماء سارقين ومشاريعهم التجارية وأماكن وجودها، واللافت في الحملة أنها ركزت على الحرامية من القيادات العسكرية، ولم يكن مفاجئا أن تتضمن تلك الأسماء قادة على امتداد مساحة المحرر وغالبية الفصائل، لأن ما وصلت إليه الحالة العسكرية لم يأت صدفة بل لعمالة أو فساد.
دخلتُ في إطار الحملة، ووجهتُ طلبا للأصدقاء بتزويدي بما يتوفر لديهم من معلومات تتمتع بصدقية معقولة عمن يتهمونهم بالسرقة من حساب الثورة والسوريين، دون مبالغة، رسائل بالعشرات وصلتني، فيها الكثير من المعلومات وبعض الأدلة، كم أحزنني أنني لا أكاد أتذكر اسم فصيل خلا من فاسدين، بل أن بعض الفصائل وجدت من أجل السرقة.
مطاعم، شركات صرافة، محلات تجارية متنوعة، سيارات بالجملة، حسابات بنكية بعملات متعددة، تجارة آثار، بعضٌ من أعمال قادة عسكريين قد نحتاج لتأكيدها، ولكن يستحيل نفيها لأن كثيرين يتحدثون عنها بأدلة وأسماء دون مواربة، إنه دخان النار التي لا شك أنها موقدة.
مما وصلني أن فصيلا في ريف حلب يملك مستودعات تحتوي على آلاف الخيام والبطانيات والكثير من الأغذية، يعود لتلك الجهة التي ذكرناها في البداية، ولم يبادر لتقديم "مثقال ذرة" لمن باتوا في العراء تحت الأمطار، كما أن قائد فصيل في ريف إدلب الغربي ناشده الأهالي في غمرة الأمطار واجتياحها للخيام أن يسمح لإحدى الجرافات التي يمتلكها بشق قناة للسيول على تخوم المخيم، إلا أنه رفض رغم أن ذلك لن يستغرق أكثر من ساعة، وتابع تدخين "الأركيلة" مضجعا قرب مدفأة المازوت.
سئم السوريون انتقاد تقصير وربما عمالة التشكيلات السياسية، ووجدوا فيه صراخا دون صدى، وسيسأمون قريبا انتقاد قادة العسكر، لأنهم غرقوا في المستنقع ذاته، وتشاركوا لذة الحرام على حساب الوجع السوري، ولن يبادروا لتحرك إيجابي بعدما سلّموا قرارهم لغيرهم وانهزموا في الميدان، وكأنهم يبحثون عن انتصار لم يجدوا له مهزوما سوى المقهورين أصلا.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية