بالتأكيد هو خير السماء الذي نؤمن به، ورحمة الله التي سنجني خيرها في فصل قادم، ولا أحد حتى أولئك الذين يسبحون في هذه اللحظات بوحل الخير ساخط على خير الله، وبالتأكيد هم في وجدانهم يبتهلون (الله يبعت الخير)...ولكن.
كانت ليلة مهلكة، ونداءات استغاثة من القلوب والحناجر، وقبلها أيام طويلة من الاستجارة بمن لا تطلب منهم استجارة، ونداءات للمؤسسات الإنسانية والإغاثية فثمة من يموت من البرد، وقلة الدواء، وعدم توفر الوقود، ومن الخيام التي لا تقي من برد وريح...ولكن.
هي أيضاً ليست المرة الأولى، وليس الشتاء الوحيد الذي أنهك الأجساد المرتجفة فقد توالت الشتاءات القاسية، والاستغاثات التي لا تسمع، والموت الذي لا يكترث به أحد، والبكاء الذي يختلط فيه الدمع بالمطر، والأرواح التي تسكن طين البلاد التي تئن وحيدة في وجه الريح والفقر والإهمال.
بعيداً قليلاً عن كل هذا الأسى ثمة أسئلة عالقة في الحلق المرّ..لماذا وصل هؤلاء إلى ما هم عليه اليوم، ولماذا تركوا في العراء وحدهم يواجهون كل أنواع الشقاء والإذلال، والأهم ألم يكن بإمكان الأموال التي وصلت إلى من يعتبرون أنفسهم أوصياء وناطقين باسم همومهم، أن تجعل حياة المنكوبين أقل شقاء وقسوة مما هم عليه الآن؟.
أي الحكومات المؤقتة كلها، والمنصات، والأحزاب، والفصائل، والدول الصديقة والشقيقة والحليفة من كل هذا الوبال العظيم.
على مدار السنوات الطويلة دخلت أموال لا تعد ولا تحصى إلى خزائن وجيوب سفراء هؤلاء المساكين الذين هجروا بيوتهم وديارهم، وسبق أن تم تجويعهم وحصارهم فيما مخازن الفصائل تعج بالمؤن والغذاء، وكذلك كانت خزائن الحكومات والائتلاف وأعضائه الذين يجوبون العواصم وينعمون بترف التنقل والاقامة والسرائر.
استثمارات كثيرة بملايين الدولارات لمن كانوا يتباكون على المواطن المنكوب والمكلوم، والبعض يمارس التزلج على الثلج فيما هم تسحبهم مياه السيول إلى أقدارهم المجهولة..أليست أموال عقاراتهم الجديدة هي ملك هؤلاء الغرقى؟.
بالتأكيد، هناك فائض من الدفء في بيوت القادة من سياسيين وعسكريين وإعلاميين، وكذلك فائض من المال في حساباتهم الغارقة بالدولارات، وبالتأكيد سوف يستمرون في استثمار الموت والبرد والجوع، ويتباكون على أرواح من ماتوا، ولديهم من موسوعة ترف الكلام الكاذب ما ستعج به الفضائيات الوليدة والعتيدة، وما ستقوله الصحف التي لا يقرؤها سوى مريديهم.
لو ترك هؤلاء المتخمين بالدفء قليلاً من المال في خزائن مؤسساتهم لهؤلاء المتخمين بالماء والطين لكان الله غفر لهم بعض خطاياهم أو جرائمهم بحق من خدعوا بهم، ولربما أنقذ هذا القليل بعض من ستأخذهم موجة البرد إلى أقدارهم القاسية، وأما عن بقية الأشقاء والأصدقاء والبشر، فلا حرج عليهم فقد اتخذوا قرارهم بالتخلي عمن أوهموهم ذات يوم أنه معهم لأنهم على حق، وأما المطر فقد اعتاد أن يهطل هنا فوق بيوت كانت..وبشرٍ يهللون بقدومه وإن كانوا عراة.
*عبد الرزاق دياب - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية