أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

لافتات العزاء تناقض الروايات الرسمية عن تراجع العنف في العراق

تبدو لافتة عزاء سوداء على حائط قذر ذي لون أبيض إلى جوار بقايا ملصق انتخابي قديم وكتابة بلون أحمر باهت تقول «تي.إن.تي». لا يولي أحد اهتماما كبيرا بهذه اللافتة المعلقة في شارع تنتشر فيه محال إصلاح السيارات وعلت أرضه بركة من مياه الصرف. وبقراءة اللافتة وزيارة الكنيسة القريبة يتبين أن امرأتين مسيحيتين، إحداهما كانت تعاني من إعاقة ذهنية، قد طعنتا أكثر من 50 طعنة وهما داخل المنزل، واكتشفت جثتيهما حفيدة إحداهما، التي تبلغ من العمر 9 أعوام. كُتب بلون أبيض على اللافتة السوداء «ماتتا بعد هجوم إرهابي جبان». وبعد ذلك كتب بلون أحمر اسما الضحيتين كلاويز نيسان موسى وهناء إسحاق بولص. وفي الوقت الذي تتحدث الحكومة العراقية والجيش الأميركي عن تراجع عدد القتلى، تروي اللافتات السوداء المعلقة على جدران المساجد وفي المناطق المزدحمة ببغداد حكاية مختلفة عن عالم يتجاوز الإحصائيات، حيث لا تزال عمليات القتل تستشري في المجتمع. وتذكر هذه اللافتات، التي يقرأها السائقون بصورة عشوائية والتي تشير إلى عمليات إطلاق نار واغتيالات وتفجيرات، العراقيين بأن بعض الأشياء ليست كما تبدو وأن نار الحرب الأهلية الأخيرة ما زالت تستعر. اجتمعت العائلة في الكنيسة الكاثوليكية. وقف ولدا هناء إسحاق بولص: دياري عادل إسحاق، الذي يبلغ من العمر 37 عاما، وبسام، 36 عاما، داخل فناء ضيق له سقف صغير من الصفيح يقي حر الشمس. كان الأخوان، وهما ضابطان في استخبارات الجيش العراقي، بالكاد يتحدثان همسا. جاء المعزّون: نساء ورجال. وبعد أن دخل المعزون الكنيسة جلسوا في هدوء على كراس بلاستيكية. ودخّن البعض السجائر في حزن، ومضى الأخوان يتمشيان داخل الفناء. الرجلان مقتنعان بأن أمهما وأختها تعرضتا لذلك لأنهم مسيحيون يعيشون في منطقة الدورة، وهي منطقة أغلب قاطنيها من السنة، في جنوب بغداد. سرقت مجوهرات وحلي تبلغ قيمتها نحو 8,500 دولار، ومع ذلك فإن الاثنين مقتنعان بأن ثمة دافعا أكبر وراء عملية القتل هذه. يقول دياري: «كان عملا إرهابيا، لن أعود إلى الدورة مرة أخرى».
قطعت عملية القتل هذه آخر رابط بينهم وبين الدورة، التي بنى فيها أبوهما منزلهما عام 1974. ولكن، تركت العائلة المنطقة في ربيع عام 2007 بعد أن مرر مسلحون تهديدات بالقتل من عقب باب المنزل، وبرحيلها انضمت العائلة إلى المسيحيين المرحلين من منطقة الدورة. ولكن، بعد خمسة أشهر، عادوا إلى المنطقة. وطلب دياري من أمه، التي ماتت عن 62 عاما، الانتقال للعيش مع أخيه بسام في منطقة أخرى، ولكنها رفضت وأصرت على العيش في المنزل الذي بناه زوجها. ويتذكر الضابط كلامها وهي تقول: «أنا امرأة ولن يحدث لي شيء». والآن، يتمنى دياري لو لم ترجع إلى الدورة. وطلب من الأميركيين أن يقدموا له يد العون. وارتفع صوته صارخا: «أريد مساعدة من السفارة الأميركية، من أي سفارة. أريد المساعدة كي أغادر العراق». ويوافقه أخوه بسام الرأي ويقول: «نحن جنود نخدم في البلاد، ولكن بعد هذا الحادث فإننا نريد أن نغادر العراق».

أومأ المعزون متفقين معهما فجميعهم غادروا الدورة فعلا. وتحسس دياري، وقد ظهر الشيب في شعر رأسه ولحيته، علبة سجائره في ارتباك وضغط على شفتيه قائلا: «نبدو وكأننا في الأربعينات أو الخمسينات من أعمارنا بسبب الإجهاد الذي تسبب فيه الحادث».

ورغم ذلك، ما زال أمامه الكثير كي يقوم به، حيث لا تزال زوجته وابنته تعانيان من صدمة بعد اكتشاف الجثتين يوم الخميس الماضي. ذهبت زوجة دياري، جاكلين، إلى منزل أمه كي تترك معها ابنها الذي يبلغ من العمر سبعة أشهر، وجرت الابنة ناتاليا إلى الداخل مسرعة في البداية، وفي يدها زجاجة حليب تخص أخاها الصغير. ويحكي دياري: «أصابها الرعب، وقالت : جدتي على الأرض تحيط بها الدماء. دخلت زوجتي مسرعة إلى المنزل، وفوجئت بما رأته. بعد ذلك هرولت للخارج وعلا صراخها». لطخت الدماء أرضية الحمام والسلالم. وقالت الزوجة لابنتها ناتاليا إن جدتها مريضة للغاية، ولكن ردت الابنة في غضب قائلة إنها رأتها والدماء تغطيها. وخلال ساعات، رحل دياري عائلته خارج الدورة، وهم يعيشون في الوقت الحالي مع أقرباء لهم، ويحتاجون إلى منزل جديد. ويقول دياري آسفا إنه كان يخدع نفسه ويظن أن عائلته في أمان.

الشرق الأوسط
(132)    هل أعجبتك المقالة (111)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي