على وقع الانتصارات المدوية لبشار الأسد وجيشه، والمتمثلة بسحق الإرهابيين، ومن ثم عودة زعماء العرب للركوع أمامه، وبعدها الهزيمة النكراء التي ألحقها بأمريكا وأرغمتها على الانسحاب من سورية، لا بد والحال هكذا من احتفالات توازي هذه الإنجازات..!
هيفاء وهبي "إن حضرت" أو غيرها من فنانات "الوحدة ونص" بكل ما يحملن من كتل رجّاجة يقصدن دمشق وغيرها من المدن السورية ليهزنّ محتوياتهن على أنغام القصائد الحربية التي ستعزفها كل آلات الترويج والأبواق التي أسهمت بانتصار الأسد، ولا غرابة أن يكون الاحتفال بمناسبة مسيحية يعطي الانتصار والاحتفال صبغة تحررية تعددية يبث تفاصيلها للغرب المتشوق لمعرفة ماذا بعد.
الرقم الخيالي الذي يجب أن يدفعه الراغب بالفرجة على اهتزازات الجسد المعروض سلعة للإثارة كبير جدا، لا يتضمن ما ينثره على رؤوس الفنانات وعلى الأماكن البارزة منهن، يحصر الحضور بالأبطال من جيش الأسد ومخابراته وكبار ناهبي البلد.
يحق للمنتصر ما لا يحق لغيره، يستمتع، ينثر أمواله التي جمعها من تجارة السلاح والمخدرات والتعفيش ونهب ثروات البلد حيثما يشاء، وقد رعاه وحماه، بل وأوعز له بذلك نظام لا يمكن أن يستمر دون هكذا أبطال.
على صخب القهقهات المخمورة المتصاعدة من منصات الاحتفالات يبيت المقاتلون التنفيذيون الصغار وذووهم باكرا توفيرا لوقود المدفأة، بعدما أعياهم انتظار الكهرباء لتشغيل التلفزيون علّهم يسمعون خبر زيادة رواتب أو تخفيض أسعار البطاطا أو الفروج.
لقد قسّم النظام محتويات البلد، فمنح أمراء الحرب وحماة الكرسي العطايا والأموال وفرصة الاحتفال مع هيفاء وهبي "إن حضرت" وأمثالها بالانتصار الذي حققوه اعتمادا على الشريحة التي تختص بدفع الفاتورة، ومنح بقية مواليه الكثير الكثير من شهادات الوفيات والإعاقة وقسائم الوقود التي لا يستطيعون صرفها نظرا لاضطرار القيادة لاستهلاكها في احتفالات النصر.
ولن ينسى النظام تقديم السعادة الإجبارية لدافعي الضريبة، حيث تتجول عناصره الأمنية على منازلهم لتنقل لهم دعوة القيادة للنزول إلى ساحات الدبكة تحت طائلة سحب كل الهدايا التي قدمها لهم سيادة الرئيس من علب متة وشراشف وعنزات عند استشهاد أحد أقاربهم، ولن يفوت عنصر الأمن الهمس بأذان المدعوين بضرورة النخّ في الدبكة كي تكتمل سعادتهم.
يصعب تصوّر أو وصف ردّات أفعال ذوي القتلى من أنصار النظام وهم يشاهدون إعلانات حفلات أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية تغزو الطرقات وهم في طريقهم لنثر الورود على قبور أبنائهم.
هكذا يحتفل بشار الأسد بما يراه انتصارا، فيعطي الكبار من نظامه فرصة الاستمتاع باهتزازات الخصور، ويشغلهم عن طموحات دفينة في صدورهم بخمور دسّ فيها لذة الراحة والاسترخاء، ويمنح صغار شبيحته كل الوقت اللازم لانتظار دورهم في الحصول على جرة غاز أو عشرين ليترا من المازوت لتدفئة صغارهم.
بمثل هذا يحتفل الرؤساء بانتصاراتهم، لقد درسوها في أمير ماكيافيلي، وتلقوها دروسا عملية منذ تبوأ الشيوعيون السلطة في روسيا، الرخاء للكبار والجوع والقهر للصغار، وبذلك تسنح الفرصة كاملة للتمدد على الكرسي بأمان بانتظار ما يأتي من الخارج الذي لا يملكون فرصة لردّه.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية