كعادتها القديمة..وكما توقع كثيرون من أعدائها، وحتى أولئك الذين تسميهم بأصدقائها تدير أمريكا ظهرها وتمضي إلى حيث يأوي الجنود إلى بيوتهم، وقد يصاب بعضهم بمرض الحرب السورية، ولكنها رمت نردها وانصرفت.
وما إن أنهى ترامب تغريدته حتى اشتعل العالم كباراً وصغاراً بالحديث عن تبعاتها، وأمسكوا برؤوسهم التي بدأت حسابات مصائرها، وربما يتذاكى البعض منا هنا في هذا الشرق البائس بالحديث عن صفقات أبرمت سراً، وآخرون بالثرثرة عن هزيمة متوقعة لأمريكا وقد هربت منها.
أطراف الصراع السوري المحليون هرعوا إلى الاعتراف بمشاعرهم الآنية، ونواياهم...الأكراد اعتبروها "طعنة في الظهر"، أتباع النظام هللوا وأطلقوا الرصاص احتفالاً، وأما المعارضون فيرون أنها فرصة لإعادة ما سلبه أصدقاء أمريكا تحت عنوان "سوريا الديمقراطية".
المحللون على اختلاف ولاءاتهم أعلنوا انتصار من يوالونهم، وكذلك الفضائيات العربية أدارت دفة المعركة إلى تداعيات انسحاب أمريكا المقرر من سوريا، وما هي المصائب التي ستعود على عواصم الصراع والدعم.
هناك من رأى أن الانسحاب هو انتصار لحلف روسيا وإيران والنظام، وأن الفراغ الذين سيتركه الأمريكي سرعان ما سيحل محله الحلفاء المنتصرون، والأكراد لن يصحوا من الصدمة إلا وتكون قبضة النظام قد أعادتهم إلى حضن الوطن وهم استنجدوا به منذ أيام خشية من المعركة التي تريدها تركيا.
في المقلب الآخر يرى البعض أن أمريكا تريد ترك روسيا وحيدة في المستنقع السوري الذي غرقت فيه، وبات اقتصادها يئن مما لن تستطيع إعادته من غاز سوريا ومشاريع إعمارها، وأنها ستبقى في صراع وجودي مع الإيراني الذي ربما يجدها فرصة لإعادة أحلامه التي كان يمنعها ألأمريكيون من أن تكون واقعاً، وبالتالي ستدخل في صراعات جديدة تغرقها بوحل سوريا أكثر مما هي فيه.
معارضون يرون أنها فرصة للانقضاض على الحلم الكردي بالاتفاق مع تركيا، وهي معركة معدّة سلفاً، وبالتالي يمكن تحقيق هدفين بضربة واحدة إبعاد الأكراد عن الحدود التركية، وإعادة ما استولت عليه (قسد) من مناطق كانت تحت سيطرتهم بمساعدة أمريكية.
الأكراد الذين أحسوا بالخيبة وربما يكونون أكثر الأطراف تضرراً وخشية أعلنوا أنهم سيدافعون بقوتهم الذاتية عن حلمهم، ورأى فيها البعض مجرد تباهٍ لن يمنع الهزيمة المنتظرة، وهم أمام خيارين إما اللجوء لحضن النظام أو انتظار معركة ليسوا بأهلها.
تنظيم "الدولة" أيضاً أطلق عناصره الرصاص احتفالاً في جيوبهم المتبقية في شرق البلاد، وأنهم انتصروا، وهذا وقتهم لإعادة ما انتزع منهم بفضل الطائرات الأمريكية، وهذا الانسحاب يعطيهم الأمل بالعودة إلى المنطقة بعد خروج عدو كبير.
داخل البيت الأمريكي من يرى خطأ الخطوة الأمريكية، وأنها خيانة لحلفائها، وأنها تترك الباب مفتوحاً لإيران على مصراعيه، وربما تكون الفوضى سيدة الموقف في الشرق السوري، وقد يعيد الصراع إلى بدايته أو يؤسس لصراع إقليمي يطيح بخريطة المنطقة بالكامل.
أمريكا رمت نردها...أم أنها بداية متفق عليها؟؟.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية