أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

التطبيع الجديد.. ماهر شرف الدين*

إنه التطبيع الجديد مزاحماً التطبيع القديم

دَرَجَ القاموس السياسيّ العربي، طوال العقود الماضية، على حصر استعمال مصطلح "تطبيع" بالنزاع العربي الإسرائيلي. وعلى الرغم من تفاقم الخلافات العربية العربية في القرن الفائت، والتي وصلت إلى حدّ غزو بلد عربي لبلد عربي آخر - العراق والكويت، إلا أنه، وبما يشبه الاتفاق الضمني، تجنَّب الكتَّاب والصحافيون العرب استعمال مصطلح "تطبيع" خارج السياق الإسرائيلي، إجلالاً للقضية الفلسطينية وتنزيهاً لها عن أي تشبيه يمكن أن يؤثّر على فرادتها وفرادة المصطلحات المتعلّقة بها.

لكنْ مع حصول نكبة جديدة في القسم الشمالي من بلاد الشام – سوريا 2011، زاحمت النكبة القديمة في قسمها الجنوبي – فلسطين 1948، انتهت مدَّة صلاحية "الحصرية" المذكورة. وصار شائعاً، إن لم نقل مرغوباً، أن يقوم الإعلام العربي باستعارة مصطلحات النكبة الفلسطينية في سياق حديثه عن النكبة السورية.

لقد تمَّ استخدام معظم مصطلحات القضية الفلسطينية في وصف الحدث السوري المأساوي (النكبة، الترانسفير، المقاومة، الاحتلال، حقّ العودة... إلخ) إلى درجة المطابقة بين صورتَي النظامين – السوري والإسرائيلي في البلدين – سوريا وفلسطين.

المصطلح الوحيد الذي بقيَ خارج التداول هو مصطلح "التطبيع"، والسبب هو انعدام وجود السياق الصالح للاستعمال. فنظام الأسد آيلٌ إلى السقوط، وليس هناك أي طرح جدّي من أي طرف بإعادة العلاقات معه، خصوصاً بعد طرده من جميع المحافل العربية، وفي مقدّمها "جامعة الدول العربية" التي تمّ تجميد عضوية سوريا فيها - تشرين الثاني 2011.

ذلك كلُّه تغيَّر مع القرار الروسي الحاسم بقلب الطاولة في سوريا - أيلول 2015. فبعد شهور قليلة من التدخُّل الروسي وبدء تغيُّر المعطيات العسكرية على الأرض، صرنا نلتقط إشارات، خجولة وغامضة، عن إمكانية إعادة التواصل مع نظام الأسد. هذه الإشارات، التي اتَّخذت آنذاك شكل التسريبات الصحافية، راحت تتصاعد بشكل علنيّ غير مسبوق في الشهور الأخيرة من هذه السنة. وبالتالي خلقت السياق المطلوب لاستعارة المصطلح الوحيد المتبقّي خارج الاستعمال من القضية الفلسطينية: التطبيع.

اليوم، ولكثرة استعمال مصطلح "التطبيع" من أجل الإشارة إلى إمكانية إعادة العلاقات مع نظام الأسد، بات يختلط على المواطن العربي، حين يقرأ كلمة "تطبيع" في عنوان أحد المقالات، إذا ما كان المقال يتحدَّث عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل أم تطبيع العلاقات مع نظام الأسد!

لذلك كان إجراء صحيفة كويتية (صحيفة "الشاهد") لقاء مع بشار الأسد، مساوياً في أثره السلبي لإجراء موقع الكتروني سعودي (موقع "إيلاف") لقاء مع وزير الاستخبارات الإسرائيلي.

ولذلك خلَّفت الزيارة التي قام بها الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق، قبل أيام قليلة، الأثر السلبي ذاته الذي خلَّفته زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى سلطنة عُمان قبل أقلّ من شهرين.

إنه التطبيع الجديد مزاحماً التطبيع القديم. إنه التطبيع مع الاستبداد مسابقاً التطبيع مع الاحتلال. بل قل إنهما حجرا رحى يطحنان نصفَ قرنٍ مقبل لأوطاننا المبتلاة.

*معارض سوري - من كتاب "زمان الوصل"
(202)    هل أعجبتك المقالة (208)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي