أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

قانون الإرهاب يعامل أموال المتهمين كغنيمة حرب*

أرشيف

لم يدّخر قانون مكافحة الإرهاب السوري جهدا لمصادرة الأفكار والحريات والأعمار والملكيات، فبعد أن يلقي النظام بمعارضيه في ظلمات السجون ويصادر حرياتهم، لا بدّ له من مصادرة أموالهم، لإفقارهم وشلّ أي قدرةٍ لديهم على النضال والمطالبة بالحقوق.

وعليه فإنه من الطبيعي أن يضمِّن النظام قانون الإرهاب -الذي سنّه زبانيته القانونيون- أحكاماً تجرّد المعارضين والناشطين من أموالهم، فابتدع لذلك وسيلة عقابٍ جماعي، طالت المعارض وأسرته وأحياناً أصدقاءه، غير عابئ بمخالفة تلك الأحكام لنصوص القانون الواضحة ولأبسط قواعد الأخلاق ومبادئ العدالة الإنسانية. 

ولذلك أقحمَ في قانون الإرهاب عن سابق إصرارٍ وتنكيل أحكاماً تقضي بتجميد ومصادرة أموال المتهمين بموجب هذا القانون، وتسريح كل عامل أو موظف أُدين سنداً لهذا القانون، وحرمانهم من أي راتب أو معاش.

ولتوضيح ذلك، فإننا نعرض تلك الأحكام مبينين عدم قانونيتها وآثارها الجائرة على المعتقلين وأسرهم.
أولاً -تجميد أموال المتهم:
لقد جاء في قانون الإرهاب (إنه للنائب العام أو لمن يفوّضه أن يأمر بتجميد الأموال المنقولة وغير المنقولة لكلّ من يرتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون إذا كانت هناك "دلائل كافية" على ارتكابه الجرم).

ويعني تجميد الأموال: حرمان المتهم بشكل مؤقت من التصرف بأمواله المنقولة وغير المنقولة أو تحويلها أو نقلها أو تغيير صورتها لمدة معينة أو خلال مراحل التحقيق والمحاكمة، وبما أن المؤسسات كافة تتبع للنظام، فإنه من السهل عليه تنفيذ ذلك المنع، ويتمّ ذلك بتوجيه كتاب من النائب العام إلى دوائر السجل العقاري ودوائر الكاتب بالعدل والنقل والمواصلات يشعرهم فيها بعدم قبول أي معاملة تتعلق بأموال المتهم، من بيع وشراء ورهن وسحب أموال.

ولكن الأدهى والأخطر أنّ قرار التجميد مخالف للقانون للأسباب التالية:
1 -لأنه لا يحق للنائب العام اتخاذ القرار بتجميد أموال المتهم سند اً لقانون أصول المحاكمات الجزائية، وبالتالي فإن قرار ت الحجز باطلة لصدورها عن غير ذي صفة وصلاحية.
2 -إن قانون الإرهاب ترك عبارة دلائل كافية المذكورة أعلاه مرنة غير واضحة، ولم يحدد المقصود بذلك.
3 -كان القانون غير واضح حين ترك تحديد زمن التجميد متأرجحا بين مدة معينة أو خلال مراحل التحقيق والمحاكمة، ولا يخفى أنّ الهدف من وراء ذلك خبيث مكشوف، وهو ترك المجال مفتوحاً أمام محاكم النظام لتجميد أموال المعارضين وقتما تشاء.

ثانياً - مصادرة أموال المحكوم المدان:
وإمعاناً في التضييق فقد "أوجبَ" قانون مكافحة الإرهاب على المحكمة التي تحكم بإدانة المتهم أن تقضي بمصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة وعائداتها والمصادرة هي حرمانه الدائم من أمواله المنقولة وغير المنقولة وانتقال ملكيتها إلى الدولة.

وأكتفي هنا بإيراد مثال واحدٍ من آلاف الأمثلة في الواقع العملي أُبين فيه مصادرة الأموال وعائداتها:
فقد حكمت المحكمة بإدانة صاحب معمل حرامات بجرم مساعدة الإرهابيين لتقديمه الحرامات للنازحين إتقاءً للبرد وكان لصاحب المعمل فواتير لم يستوفها من التجار الذين يورّد لهم شحنات الحرامات فتمّت مصادرة ثمن هذه الشحنات الواردة في الفواتير لكونها من عائدات أمواله "المعمل"، إضافةً لمصادرة المعمل بما حمل، وحدثَ أنّ صاحب المعمل كان قد احتاط لأمر رصيدهِ في البنك فحرّر شيكات بكامل رصيده لصالح صديق موثوق لديه تلافباً للحجز والمصادرة، فلما علمت السلطات بذلك أوقفت الصديق بجرم الاشتراك بتهريب أموال إرهابي وصادرت كامل الرصيد في البنك، وصادرت أمواله أيضاً.

وكذلك الأمر فإن مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة بذلك الشكل تعتبر مخالفة للقواعد العامة للقانون الجزائي مما يصِمُها بالبطلان وذلك أنّ:
1 -المصادرة تقع على الأموال المنقولة فقط، ولا تجري على الأموال غير المنقولة أبداً (عقارات منازل معامل..).
2 -المصادرة "عقوبة جوازية"
في حين أن قانون مكافحة الإرهاب اعتبرها وجوبية خلاف للقواعد العامة الصريحة، مما يجعلها باطلة قانوناً وتعسفية وتنكيلية بحق المحكوم.

ثالثاً - تسريح العمال:
وليس أقلّ تضييقاً مما سبق ما نصّ عليه القانون من وجوب تسريح أي عامل أو موظف أُدين بحكمٍ قطعي من الخدمة، وحرمانه من راتبه ومعاشه وكافة مستحقاته وتأميناته، سواء كان الموظف فاعلاً أو شريكاً أو محرضاً أو متدخلاً.

*آثار التجميد والمصادرة والتسريح
تبرز خطورة تلك الإجراءات في أنّ آثارها لا تنحسر عند المتهم المحجوزة والمصادرة أمواله أو الموظف المسرّح إنما تمتدّ لتطالَ أفراد أسرته ومن يعيلهم.

وستؤدي تلك الإجراءات إلى إفلاسِ وإفقارِ من وقع على أمواله التجميد والمصادرة بحسبان حرمانه منها كافة، حيث سيمتنع عليه التصرف والإنفاق على نفسه وتأمين نفقات الدعوى وتوكيل محامٍ للدفاع عنه.

وكذلك فإن هذا الحرمان يطال أيضاً أفراد أسرته، ومن يعيلهم وبهذه الحالة تصبح إجراءات التجميد والمصادرة بمثابة حربٍ على مستوى القوت اليومي لأطفاله، وهي عقابٌ جماعيّ له ولأسرته بعد مصادرة وتجميد مصدر رزق معيلهم واعتقاله، فيتركون عرضةً لغوائل العوز والجوع والسؤال، وإذا وضعنا بالحسبان أنّ أعداد الموقوفين بجرائم الإرهاب في سورية تقدر بعشرات الآلاف، فإن إجراءات التجميد والمصادرة ستورّث الفقر والحاجة لأسرهم التي تبلغ مئات الآلاف، وبالتالي فإن ذلك سيؤدي إلى انتشار واسع للفقر والعوز في أوساط الحاضنة الشعبية للثورة، وبالتالي سيؤدي إلى ثني الحاضنة عن متابعة نضالها أو عرقلة مسيرة نضالها والالتفات لتأمين لقمة العيش وسدّ الرمق، وبالمقابل ستتورم خزائن النظام من غنائم الحرب التي جناها من مصادرة أموال المعتقلين ليستخدمها في قمع باقي إخوتهم الثائرين.

ولا بدّ أن مصادرة الأموال ستحول دون عودة أصحابها مع أسرهم إلى الوطن الذي غادروه عنوةً بسبب الحرب ومصادرة أموالهم وأرزاقهم.
فإلى أين سيعودون، لا مالٌ ولا سكن، وأصبحت أملاكهم غنيمة حربٍ في خزائن الوطن.

*سليمان النحيلي - من كتاب "زمان الوصل"
(138)    هل أعجبتك المقالة (138)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي