أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سوريا... في ذيل نشرة الأخبار.. عبد الرزاق دياب*

أرشيف

بات واضحاً أن إرادة متفق عليها بين القوى الكبرى والإقليمية على دفع الخبر السوري خارج نشرة الأخبار بالرغم من سخونته الدائمة، وارتباطه بأغلب المستجدات في سائر المنطقة وصولاً إلى تداعياته على العالم بأكمله.

الفضائيات العربية التي استثمرت في الملف السوري طوال السنوات السبع الفائتة الدامية لم يعد يطربها الخبر السوري عاجلاً كان أم موتاً اعتيادياً، وتراجع موقعه في نشرات أخبارها إلى الأخير أو فقرة في برنامج سياسي، وإن أفردت له متسعاً أكثر فقد يكون للمواد الساخرة حوله فسحة أكبر.

على الأرض ما زال الدم السوري ساخناً أكثر من من الدم الفرنسي البارد في أسبات (جمع سبت) السترات الصفراء التي تفرد لها قناة "العربية" نهارها بأكمله، وتستنفر لها مراسليها ومحلليها، وأما اليمن وإيران وموقعة تيريزا ماي فهي تحظى بتغطية واسعة ومفصلة حتى آخر اقتراح خلبي بإنشاء كيان البحر الأحمر الذي يضم دولاً هشة كالصومال وجيبوتي.

ما زال الدم ساخناً في شمال وشرق سوريا، حيث لا يمر يوم دون أن يموت العشرات من المدنيين الذين تحاصرهم "داعش" على الأرض ومن السماء طائرات التحالف، وفقط يمر الخبر كما لو أن أحداً يجب أن يموت بهذه البقعة من الأرض دون جنازة أو مشيعين.

في مخيم "الركبان" الذي قدر له أن يكون في بقعة تنازع الموت على الحدود الأردنية السورية، وسط الصحراء التي لا ترحم، والأطراف التي ترى فيها خطراً محدقاً فيما مؤسسات العالم الإنسانية غير قادرة على الوصول إلى ساكنيه الذين يموتون بالإهمال وتفشي الأوبئة، وينتظرون فرصة توافق أو اتفاق على إخراجهم نحو الحياة في أي مكان من الأرض السورية التي ضاقت عليهم.

في شمال وشرق البلاد ما زالت الطائرات تغير بعشوائية، والتناحر بين التنظيمات يقتل أيضاً أبعد من حراب المتقاتلين، وما بين البنادق المتصارعة ثمة بشر يموتون ويخشون من أيامهم القادمة هذا سوى ما يرديهم الموت والبرد.

في المغتربات والشتات حديث آخر عن إعادة من شردتهم الحرب إلى بلدهم التي يجمع العالم ومحللوه وزعماؤه على أنها ليست آمنة، من لبنان إلى الدنمارك اخبار عن عصا غليظة على رقاب المهجرين واللاجئين بأن لا مفر سوى العودة أو التضييق والنفي إلى جزر تسكنها البهائم والمجرمون.

الأقبية والزنازين ما زالت تتسع لمزيد من الموتى الخارجين، ومشاريع الموتى الجدد القادمين إلى العتمة، وجبهات جديدة للموت قد يفتحها أصحاب المصالح والكبار في أي لحظة يشاؤون، ولها حصتها من البشر الهائمين بعد أن أضاع العالم عقله في هذي البلاد، وأبقى فقط على شياطينه ومجرميه.

مع كل هذا حصة الخبر السوري أقل من أي نشرة جوية سريعة تحذر من تشكل السيول والضباب، أو تعري فنانة في مهرجان السينما بالاسكندرية، أو أمراض التكنولوجيا، ومحاكمة (آبل) وصعود "هواوي" الصينية.

*من كتاب "زمان الوصل"
(176)    هل أعجبتك المقالة (183)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي