تروي هذه الأحداث السجينة السابقة عائدة الحاج يوسف، التي كانت مسجونة مع الفتاة صاحبة القصة...
الصباح في جناح الإرهاب بسجن عدرا المركزي يختلف كليا عن نظيره في سجون الفروع الأمنية بمختلف اختصاصاتها والتي لا تحوي سوى التعذيب والانتهاكات بحق السيّدات المُعتقلات، بينما في سجن عدرا تحصل السيّدة المُعتقلة على هامش صغير من حياة صباحية قد تُشابه نوعاً ما صباحات السيّدات خارج السجون خاصّةً أثناء احتساء القهوة وسط جو نسائي يُحيط به البحث عن الأمل والتفاؤل من خلال قراءة الفنجان والكف وتفسير المنامات في محاولة آنيّة للخروج من واقع أليم.
بالرغم من أنّ سعر عبوة 100 غرام من القهوة ذات النوعيّة السّيئة تبلغ 700 ليرة سورية داخل السجن، في حين كان سعرها خارج السجن لا يتجاوز 200 ليرة سورية، إلّا أنّنا كُنّا نحاول جاهدين تأمينها بشكل يومي، وأكثر الأيّام تتقاسم دفع ثمنها أكثر من مُعتقلة، وبالرغم من عدم وجود مادّة الغاز لغليها، إلّا أنّنا اعتدنا صنعها بسخانات المياه الكهربائية.
سيّدات مُعتقلات كثيرات كن في بادئ الأمر يرفضن قراءة الفنجان لاعتبارات مُختلفة، إلّا أنّ توقّف الوقت في السجن دفعهنّ لقبول الأمر لهدف التسلية وانقضاء الوقت.
لم تنجِنا شهاداتنا الدراسية وثقافتنا من الانجرار خلف "ميرفت" ذات الثمانية والثلاثين عاماً والتي كانت تمتاز بموهبة قراءة "الكف" وتفسير خطوط اليد، كما كانت تقول، وهي تنحدر من محافظة ريف دمشق، فقدت زوجها إثر عمليات قصف نظام الأسد المجرم لبلدتها، سئمت الحصار والقصف فتركت عائلتها الذين كان أغلبهم في صفوف الثوار لتستقر في حي "عش الورور" المعروف بولائه المطلق لنظام الأسد بالقرب من منطقة مساكن "برزة"، وتزوّجت أحد شُبّان المنطقة بعلم خالها، وهو ذاته من استطاع إخراجها من منطقتها المحاصرة عبر حواجز النظام والميليشيات الموالية له.
كانت امرأة غريبة الشكل، منذ دخولها إلى مهجعنا ترتدي الملابس التي ترتديها قرويات الطائفة العلوية وتتشبّه بهم حتى في طريقة كلامها، وقلّةً من السيّدات المُعتقلات ممّن انتبهن أن تلك المرأة ليست من مُنتمي الطائفة العلوية.
بحسب ما روت لنا فقد قضت في الفرع (215) عشرة أيّام فقط ثُم تم إيداعها في سجن عدرا تمهيداً لعرضها على المحكمة.
قبل غسيل وجوهنا نتراكض إلى سريرها كالمجانين لنسمع منها ما يُخفي لنا القدر في القريب العاجل، غالباً ما نعود "مكسورات الخاطر" بسبب كلامها النافي للأمل، لم يخطر لنا أن نسأل "ميرفت" أين تعلّمت قراءة الكف وذلك بسبب كلامها المعسول، كل ما كُنّا نهتم له حينها بصيص أملٍ للخروج من ذاك السجن.
قضت بيننا "ميرفت" ثلاثة شهور بشكل طبيعي "لا شكوى تُذكر ولا بكاء"، كما لم تردها أيّة زيارة، إلى أن دخل أحد ضباط فرع "الأمن الجوّي" إلى مهجعنا في قسم الإرهاب طالباً منها تحضير نفسها للخروج من السجن وسط ذهول "ميريانا" دجاجته الذهبيّة والشرطي "جهاد" الذي حاول مراراً وتكراراً مُصادرة "جهازها الجوال" دون جدوى.
بعد يوم بشكلٍ عفوي أخطأت "ميريانا" أمامنا وقالت "الآن عرفت لما طلبوا منّي عدم مُضايقتها"، حينها أدركنا جميعاً أنّها كانت مدسوسةً بيننا، وعمّ الرعب بين السيّدات اللواتي فتحن قلوبهنّ لها خلال قراءتها لكفوفهن.
نتائج عملية "ميرفت" كانت واضحةً جدّاً، حيث أُعيدت سيّدات إلى الفروع الأمنيّة، وزُجّت أكثر من سيّدة مُعتقلة في السجون الانفرادية، وتم انتزاع اعترافات جديدة من مجموعة سيّدات لا بأس بها تم من خلالها إدانتهنّ في المحكمة.
بعد تلك المرحلة ونتيجةً للرعب والشك توقّفت جميع السيّدات عن قراءة الفنجان، كأنّه اتفاقٌ لتنفيذ إضرابٍ جماعيٍّ بدون جرأة الإعلان، بقذارتهم وأنشطتهم التجسّسية حتى الجلسات الصباحية التي من خلالها نتجرّع الأمل سلبوها من تفاصيل السجن.
زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية