أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

‌هيكل مفترٍ أم كاتب حر؟

الاسم عادة له معنى والموقع له دلالة. هيكل بعد خروجه على «النظام المصري» صار مكروهاً عند العديد من الدول والكتّاب والصحف، و«قناة الجزيرة» لديها خصوم اكثر مما لديها من محبين، ولذلك عندما يجتمع الاثنان يرتفع منسوب الكراهية والعداوة، وهذا ما يمكن رصده وملاحظته من خلال ما تعرض له «الاستاذ» والقناة التي يطل منها مساء كل خميس عبر برنامج «مع هيكل».
احدث المواجهات الكلامية حصلت الاسبوع الماضي بين صحافة الاردن ونظامه وبين هيكل وقناته. «جريمة» هيكل، بحسب ما كتبته الصحافة الاردنية، انه حاول تحليل شخصية كل من الملك عبدالله الاول والملك طلال ووصف العلاقة بين الملك الاردني الراحل حسين وبين اسرائيل واميركا بانها علاقة وثيقة جداً، وان تقلب مواقف الملك من القضايا العربية، خاصة في اوقات الازمات، ترجع الى العقد النفسية والفكرية التاريخية التي ورثها. واستند هيكل في كلامه إلى وثائق وكتب ومذكرات عربية واجنبية وشهادات احياء، منهم زوجته الملكة نور والرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر.
الى هذا الحد سيكون الكلام مفهوماً اذا وضع في اطاره وحجمه ومصداقيته، فماذا كان الرد؟ اتهم بارتكاب مغالطات تاريخية والتطاول على الاردن وملكه وتشويهه تاريخه وافساده علاقاته مع الانظمة العربية والخليجية، وبأن كلامه يندرج في باب الردح وتصفية الحسابات وتسديد الفواتير للأسياد!! وان ما كتبه عبارة عن ترهات وادعاءات وتزوير بعدما اصيبت ذاكرته بالألزهايمر، ولم يجد بعض الكتاب سوى مقالة للزميل عطا الله الذي يكشف فيها كذب روايات هيكل وانه ينسب كلاماً لأموات كما يحلو له من دون وازع او اخلاق.. يتوقع البعض ان تتطور المعركة الى قطع العلاقات الدبلوماسية او تخفيضها بين عمان وقطر او الضغط باتجاه ايقاف البرنامج حفاظاً على حسن سير العلاقات.
سبق ان خاضت عدة دول عربية بالطبع معارك اعلامية وسياسية مع قطر بسبب هيكل والقناة. ففي لبنان وعلى اثر حديث «للاستاذ» قال فيه «انتم طوائف تتخاصم على كل شيء وليس هناك جامع مشترك بينها»، انهالت عليه اوصاف من العيار الثقيل كما جاءت في مقال للكاتب بول شاوول المحسوب على تيار الرابع عشر من آذار/مارس والذي كتب ان هذا «الهيكل» الديناصوري الباهت في ازمنة الابداع طلع بمقولة همايونية مأمور بها مفادها ان لبنان كيان مصطنع، وهو من مدرسة صحافية مهنية رديئة اسست لمصادرة الديموقراطية ولقمع اهلها، وانه شاهد على احداث وحكايا تخرج احياناً من عفونة ارشيف الاستخبارات العتيقة، ثم يضيف اليه اوصافاً اخرى كالقول «ان النظام المصري عيّنه رقيباً وشرطياً في جريدة الاهرام»، وهذا نموذج من الحوارات التي سادت في الصحافة العربية مع من يختلفون معهم بالرأي.
اما عندما تحدث عن الملك الحسن الثاني في احد برامجه والاشارة الى دوره «ولو ضمنياً بالوشاية للفرنسيين» عند اندلاع ثورة الجزائر و«التعاون الدائم مع اسرائيل»، كان رد الفعل، بعد اغلاق بث «الجزيرة» من المغرب، هجوم من نوع مختلف، كما كتب الصحافي انيس الدغيدي بالمواقع الالكترونية المغربية والصحافة المصرية، واصفاً هيكل بأنه «كاتب مصنوع وموجوع وملدوغ وجرذ مقابر ونابش قبور الموتى من الحكام من عبدالناصر الى الحسن الثاني مروراً بالسادات»..
والمنازلات لا تنتهي في حياة «الاستاذ» منذ ان قرر التوقف عن الكتابة المنتظمة في عام 2003، واعتزاله العمل الصحفي وتوجهه نحو قناة الجزيرة ليتحول الى ظاهرة جديدة في عالم الاعلام تثير الكثير من الردود ذات اللون الواحد، اي اللجوء الى الردح والعبارات المسيئة والاهانات.
الكلام هنا ليس دفاعاً عن «هيكل» ولا عن «الجزيرة» بل احترام لعقول الناس والنأي عن لغة الاسفاف في لحظة الاختلاف بالرأي والتعود، ولو قليلاً، على نهج الحوار ومقارعة الحجة بالحجة.
مثلاً عندما اثار في عام 2005 في احدى حلقات برنامجه اللقاء الذي تم بين الملك عبدالعزيز آل سعود والرئيس الاميركي روزفلت اعتماداً على وثائق اميركية افرج عنها بعد 50 عاماً من حصولها حول العلاقة النفطية بين البلدين وفقاً لرواية الوثيقة، كان هناك نوعان من الردود، الاول سار على النهج المعروف بإسقاط نعوت في غاية السوء على الكاتب والقول انه مريض يتبع اسلوباً فجاً ويلجأ الى تضليل الرأي العام وخداعه، والثاني لجأ الى كشف الحقائق من خلال كتب ووثائق اميركية وانكليزية تدحض رواية الوثيقة الاميركية ولم ينبس بكلمة واحدة غير سوية، قدم ما يملك من حقائق، ناقش ما طرحه هيكل او تبناه، وقال لندع القارئ والمختص هو من يحكم على ما جرى في اللقاء المشهور بين الزعيمين.
لعل ما قيل على وقع الحرب الاسرائيلية على غزة وما نسب الى هيكل يضاف الى سلسلة من النماذج العربية عن مستوى التعامل مع الرأي الاخر، فالهجوم الذي اسقط عليه تحول الى هجوم على عهد عبدالناصر في اشارة الى مستوى المسؤولية، ودوره في اخفاء الحقائق عن هذا العهد الذي عمل على تسويقه وتزيينه دون ان يقترب من حافة النقد لممارساته وسياساته وتحالفاته.
جريمة هيكل أنه طرح تساؤلا، أي مجرد تساؤل، عن سر الخلاف بين مصر وإيران، وعن تراجع دور مصر الإقليمي، وعن السبب بعدم تكذيب كلام ساركوزي في إسرائيل عندما نقل عن الرئيس مبارك «يجب ألا تنتصر حماس في غزة».
تلك التساؤلات تعرضت لحملة دعائية وضعته في خانة «الاعداء» واتهامه بلعب دور سلبي يصب في خدمة قطر التي لا يجرؤ على انتقاد علاقتها بإسرائيل ولو بكلمة واحدة، وأنه صاحب مهمة تصفية حسابات بين أطراف معروفة.. ويقوم بتزوير الاحداث التاريخية.
السؤال: أليس من حق هيكل أو غيره ان يعبر عن آرائه فيما يقول ويختار الموقع الذي يرغب به؟
الموضوع ليس شخص هيكل ولا سياساته ولا قناعاته، فهي آراء تخصه هو، والكثير منها كان بعكس اتجاه الريح، وأحيانا كثيرة مجافية تماما للحقيقة كالتي وقف فيها نصيرا لصدام حسين في غزوه للكويت، بل المسألة مرتبطة بالعقلية والاسلوب الذي يتم اللجوء إليه في أوقات الاختلاف والخصومة.
إذا كان شخص بمستوى وتاريخ هيكل الذي أنتج نحو 50 كتابا في حياته المهنية، وجال في دور الاعلام كصحافي وكمراسل، وجلس فوق مخزون هائل من المعلومات والوثائق والاسرار، إذا كان هذا الشخص اقدم على تقديم برنامج تلفزيوني وقال آراء لا تعجبنا او تخالف توجهاتنا أو تزور التاريخ أو تقلب الحقائق، فهل نرد عليها بالشتائم والتخوين ومسح كل تاريخه ونحجر عليه آراءه؟ أم نسلك طريقا آخر ونطرح السؤال بالصيغة التالية: هل المعلومات والوثائق التي رواها، وهي مكتوبة ومنشورة، صحيحة أم لا؟ هل تقدم أحد بتقرير أو دراسة وناقش المعلومات التي ذكرها وقال إنها مفبركة أو من نسج الخيال، كما قال أحدهم إن هذا الرجل لا يبرع إلا بالروايات العجيبة والغريبة عن الأموات؟!

القبس
(93)    هل أعجبتك المقالة (99)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي