أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تفكيك سكَّة الحديد... ماهر شرف الدين*

حتى السكَّة سُرقت، وبيعت كخردةٍ. وكأنَّ هناك من يقول للسوري: لم يفُتْكَ القطار فحسب، بل إنَّ السكَّة لم تعد موجودة أصلاً.

حين رأيتُ الصورة المنشورة لآثار سكَّة الحديد التي قامت "جبهة النصرة" بتفكيكها في شمال سوريا، فكَّرتُ بأنها صورة تعبيرية أكثر من كونها صورةً حقيقيةً. فكَّرتُ بأن النظام سرق القطار، والتطرُّف سرق السكَّة. وتاه السوريون في البراري دون أمل في النجاة.

ما استطاع السوريون الحصول عليه بعد الثورة كان مجرَّد سكَّة يمكنهم صنع قطار جديد لها. اليوم حتى السكَّة سُرقت، وبيعت كخردةٍ. وكأنَّ هناك من يقول للسوري: لم يفُتْكَ القطار فحسب، بل إنَّ السكَّة لم تعد موجودة أصلاً.

إنَّ الجانب التعبيري في تلك الصورة يحمل من القسوة ما يكفي لجعل السوري يتألَّم وهو ينظر إليها. إنها مجزرة تعبيرية لمستقبل سوريا. مجزرة تعبيرية لأملنا في الوصول إلى أي مكان سوى المكان المرعب الذي نقف فيه اليوم.

ربما يقول قائل إنَّ صورةً كهذه لا تساوي شيئاً أمام الصور المليئة بالأنقاض والأشلاء والدموع. ربما يقول قائل إنَّ صورة آثار حديد على التراب ليست مؤلمة مثل صورة آثار دم على التراب.

لكنَّ المتأمّل في النهج التدميري الذي تمارسه "جبهة النصرة" وأمثالها من فصائل التطرُّف في بلادنا، سيدرك سريعاً بأن الآثار على التراب ليست آثار سكَّة حديد مسروقة بل آثار مستقبل مسروق. ليست آثار قضبان منزوعة بل آثار أمل تمَّ سحله، وهذه الخطوط الترابية المتوازية هي من آثار السحل.

لقد اخترع النظام خصوماً من طينته وعلى شاكلته. اخترع الخصم المنقذ الذي يستطيع -لشدَّة سواده- تبرير بقاء النظام. اخترع الخصم الذي خمَّره في سجونه لاستعماله عند الحاجة. وقد جاءت "جبهة النصرة"، بما تمثّله من وجه آخر للاستبداد، وكأفتك تلك المنتجات وأكثرها سُمّيةً، لاستكمال تنفيذ الجريمة الكبرى في القضاء على الوجه المدنيّ للثورة السورية العظيمة.

لذلك، فإنَّ استئناف الثورة ضدّ التطرُّف لن يكون إلا استكمالاً للثورة ضدّ الاستبداد.

ولذلك يجب نزع الغشاوة عن أعين جميع المخدوعين من أبناء شعبنا الذين تعلَّق بعضهم بقشَّة التطرُّف ظنَّاً منهم بأنها سفينة النجاة... غير متنبّهين إلى هذا التكامل الرهيب في الأدوار التخريبية بين نظام الأسد و"جبهة النصرة"، بين الاستبداد والتطرُّف، بين سارقي القطار وسارقي السكَّة.

*من كتاب "زمان الوصل"
(237)    هل أعجبتك المقالة (241)

محتار بن حيران

2018-12-06

ياسلام على سوريا فريدة من نوعها في العالم. نظام اخترع معارضة يتصارع معها ليقتل الشعب السوري العظيم ويهجره.


فادي فاعل

2018-12-06

اﻻستبداد والتطرف وجهان لعملة واحدة لها نفس القيمة ولها نفس الصوت حين تسقط على الأرض.


طرفة الشاعر

2018-12-06

الحقيقة المرة والمرعبة!!! سأقول بكل وضوح أن هناك فقط في النهاية نوعان من الإسلام لا ثالث لهما: الإسلام الليبرالي الذي يركز على علاقة الفرد المسلم بربه فحسب، وهناك الإسلام الخوارجي الداعشي. "الإسلام المعتدل" مصطلح لا معنى له. حتى السلفي يمكن أن يكون ليبرالي إذا طبق السلفية على نفسه فحسب. بالتأكيد يمكن المحاججة بأن الإسلام الغير ليبرالي هو من أنتج الاستبداد أولاً. ويمكن أكثر من ذلك إلقاء اللوم على المستعمر الغربي في انحدار المسلمين نحو التطرف بدرجات مختلفة. لكن ما لم يفهم المسلمون حقيقة الخيار الذي يبغي مواجهته فإن جذور التطرف ستعود للنمو مع أقل مطرة، وأحياناً مع مجرد رشة مياه مقصودة!.


التعليقات (3)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي