أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

صناعة التفاهة... ماهر شرف الدين*

تمثال صلاح الدين في دمشق، أحد ثماثيل حافظ الأسد

في سوريا: ثلاثة آلاف تمثال لحافظ الأسد، وتمثال واحد لصلاح الدين الأيّوبي.

ترك الممثّل عباس النوري التماثيل المؤلَّفة، ليتفرَّغ للمطالبة بإزالة التمثال اليتيم!

لم يغصّ النوري، وأمثاله من مشاهير سوريا الذين آثروا الانحياز لنظام الأسد، بوجود آلاف التماثيل لحافظ وابنه باسل وحصانه الأغرّ في كلّ ساحة من ساحات البلاد، لكنه غصَّ بوجود تمثال وحيد لصلاح الدين عند بوّابة قلعة دمشق التاريخية!

المقياس الذي اعتمده النوري لوصف الرجل بـ"الكذبة"، ومن ثمَّ المحاججة في ضرورة إزالة تمثاله، هو "فشله العسكري"!! علماً بأننا إذا اعتمدنا هذا المقياس مع تماثيل حافظ الأسد فيجب علينا ليس إزالتها فحسب، بل طحنها وإعادة صبّها في قوالب لصنع البلاط الخاص بأرصفة المشاة... إلا إذا كان النوري (الذي ينطلق في موقفه هذا من ذهنية طائفية لا تخفى على ذي بصيرة) يريد منَّا أن نُكذّب معركة حطين ونُصدّق معركة تشرين!

بالطبع، لستُ هاهنا في وارد نقاش الدور الذي لعبه صلاح الدين الأيّوبي، فهذا نقاشٌ تاريخيّ له مكان أفضل بكثير من زاوية صحافية سريعة. لكن ما أودّ نقاشه هو الدور الذي يلعبه هؤلاء الذين يُسمّون أنفسهم "النخبة" في سوريا، من كتَّاب ومثقّفين وفنّانين ومشاهير مؤثّرين في الرأي العام.

فلم يكتفِ هؤلاء (مع وجود استثناءات أخلاقية صار أصحابها خارج البلاد بسبب الملاحقات الأمنية) بالوقوف علانيةً مع الدكتاتور منذ اللحظة الأولى لاندلاع الثورة السلْمية والمدنية، بل راحوا -وبما يشبه الحركة المنسَّقة- يصنعون حالةً عامةً من التفاهة تمّ إغراق البلاد فيها. فلا يكاد يمضي يوم على السوريين، الذين يعيشون كبرى المآسي في هذا القرن، إلا ويخرج واحد من نجوم تلك "النخبة" مختلقاً معركة خُلَّبية غايتها الوحيدة صنع المزيد من التفاهة.

ويكاد يُخيَّل للمتابع أن بعض هؤلاء الذين اكتفوا، في زمن السلم، بالعمل في مجال "صناعة الترفيه" (مسلسلات وبرامج وكتب وأفلام وصحافة ضحلة، كلّها ساهمت في زيادة تسطيح الرأي العام)، قد استبدلوا تلك الصناعة، في زمن الحرب، بصناعة جديدة اسمها "صناعة التفاهة".

إن الميزة الأساسية لهذه "الصناعة" هي إغراق الرأي العام، المحطَّم والتائه، بكلّ ما يزيد من تحطيمه وتوهانه. بكلّ ما يساهم في تشتيت انتباهه عن أسباب المحنة التي يعيشها اليوم. بكلّ ما يجعل من الهامش متناً، ومن المتن هامشاً. فكارثة الحاضر –بهذا الحساب- ليست الأولوية، بل كوارث الماضي. وتزوير الحاضر ليس مهماً، لأن الأهم تصحيح تزوير الماضي. والدعوة لمناقشة إزالة تمثال القائد الذي حرَّر أرضاً أهم بكثير من مناقشة وجود آلاف التماثيل للقائد الذي باع أرضاً.

إنها جزء لا يتجزأ من ماكنة الحرب الموجَّهة ضدّ شعبنا الذي لم يكتفِ أعداؤه بإغراقه بالدم... وهاهم اليوم يُغرقونه بالتفاهة أيضاً.

*من كتاب "زمان الوصل"
(454)    هل أعجبتك المقالة (431)

طرفة الشاعر

2018-12-03

أستاذ ما هر بيك، حكيك مو صحيح ولا واحد بالمية. رموز الحاضر هم صدى لرموز الماضي، والكذب والمؤامرة تعيد إنتاج ذاتها. سمعتها من فم الكبير عبد الرحمن منيف مباشرة: مشكلتنا هو التراث وتقديس التراث. عباس النوري محترم وأنت أحسن منه بإذن الله. تعرية صلاح الدين والأمويين وغيرهم مهمة جداً. الشعور بالعار من أشرف المشاعر الإنسانية. ولو فكرت بالأمر ترى أن مشكلة السوري أنه نسي معنى الشعور بالعار..


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي