أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من حواري دمشق..ها قد عادوا يا صلاح الدين... عبد الرزاق دياب*

تمثال لصلاح الدين في دمشق - ارشيف

يبدو العنوان مشابهاً لما جاء في البيان الذي أصدره عباس النوري، نافيا أي دوافع طائفية ومذهبية في حديثه عن صلاح الدين الأيوبي عبر إذاعة محلية...بالضبط هو عنوان غير طائفي وليس له أية دلالة مذهبية حتى لا يدور في خلد أحدهم أن المقصود بحواري الشام هو حي الجورة الدمشقي الذي نشأ فيه عباس النوري.

أراد عباس النوري ومن دون مواربة أن يقول (ليس من باب تقويله ما لم يقل) إن صلاح الدين قاتل واستولى هو وعائلته على سلطة الفاطميين وأزاحهم عن الحكم في مصر، وهنا تباكٍ فاضح ولطم تاريخي يراد به إيقاظ فتنة بدأها يوسف زيدان من القاهرة قبل أشهر، وتبنتها بعض الإمعات الفكرية والثقافية الطارئة في مصر وسوريا على حد سواء، ولاقت ما لاقت من الرد الشعبي والثقافي ما أسكتها، لكن يبدو إلى حين أن تخرج أصوات ظلامية أخرى.

الأخطر في حديث النوري هو الدعوة إلى تحطيم التمثال الذي ينتصب أمام قلعة دمشق، وهو ما لم يقله صراحة لكنه أشار إلى ذلك في قوله: (ما فيك تصدق كذبة كبيرة عايشة بنص الشام لهلق وإلها شواهد هالقد بمدخل سوق الحميدية وبداية القلعة.. تمثال صلاح الدين)...وهنا لا بد من الإشارة إلى ما كانت تفعله جحافل المؤمنين من الحجاج الإيرانيين واللبنانيين الذين يلقون بالقاذروات على ضريح صلاح الدين.
وفي هذه الدعوة يبدو الفنان التقدمي غير الطائفي والمنتمي للتيار الثالث لا يختلف عن الظلاميين الذين دمروا تمثال "المعري" وسواها من معالم تاريخية أو اللصوص الذي نهبوا آثار البلاد على أنها غنائم حرب.

أما بالنسبة للهرطقة التاريخية التي اعتمد فيها عباس النوري على قراءاته في كتب تاريخية جعلته يصاب بالصدمة من تاريخ صلاح الدين، فالمكتبة العربية حافلة بالكتب الضالة التي تدعو إلى الفتنة ولعن السلف الصالح وسفك كرامة الرموز مع ضرورة أن لا نبقى أسرى التاريخ كما قال النوري، لكن أي كتب وأي تاريخ.

وكان ألأجدى بالنوري أن يتحرى عن تاريخ دمشق الذي قدمه مسلسل (باب الحارة) بكل أجزائه، وقدم صورة سلبية عن المدينة وحواريها وتفاصيلها وتاريخها، عن رجالاتها ونسائها ومعتقدها، وحجم الأذى الذي طاولها، وهو جزء من الحملة الظلامية التي يقف فيها النوري اليوم خارج سور المدينة ويطلق عليها سموم الكراهية.

النوري ليس طائفياً ولكنه حزين على ذبحه للفاطميين، وهنا لا أريد أن أدخل في مزاودات تاريخية تصف تاريخ الناصر بالنصاعة والكمال، ولكن ماذا بشأن الغرب المعجب بشخصه هل هم أيضاً ضحايا كذبة صلاح الدين أم أنهم يردون لهم خدمته بالإبقاء على اليهود وعدم ذبح المسيحيين في القدس التي "لم يحررها"؟.

"ريدلي سكوت" صانع فيلم "مملكة السماء" كان مخدوعاً فرسم صورة مثالية للقائد والبطل النبيل وقدمه للعالم كذلك، وهو ليس بسام الملا والبطل ليس أبو عصام أو النمس.

صورة الناصر على لسان مؤرخ صليبي هو "أرنول" المعاصر لصلاح الدين: (اجتمع كثير من النساء اللاتي دفعن الجزية، وذهبن للسلطان يتوسلن قائلات: إنهن إما زوجات أو أمهات أو بنات لبعض من أسر أو قتل من الفرسان والجنود، ولا عائل ولا سند لهن الآن ولا مأوى، ورآهن يبكين، فبكى معهن تأثرًا وشفقة، وأمر بالبحث عن الأسرى من رجالهن، وأطلق الذين وجدهم منهم، وردهم لنسائهم. أما اللاتي مات أولياؤهن، فقد منحهن مالًا كثيرًا جعلهن يلهجن بالثناء عليه أينما سرن، ثم سمح السلطان لهؤلاء الذين منحهم الحياة والحرية وأغدق عليهم نعمه، بأن يتوجهوا مع نسائهم وأولادهم إلى سائر إخوانهم اللاجئين في مدينة صور).

المؤرخ البيزنطي "نيكتاس خونياتس"، الذي شاهد بأم عينيه سقوط القسطنطينية في يد الصليبيين عام 1204م وما فعلوه بهذه المدينة: (المسلمون أكثر رحمة من الصليبيين؛ فعندما استعادوا بيت المقدس عاملوا اللاتين بلطف ورقة، وحافظوا على حريمهم، ولم ينتهكوا، ولم يدنسوا على الإطلاق قبر المسيح، وحرصوا على عدم دفن موتاهم بجواره).

يتابع النوري في بيانه: (لست ولن أكون يوما مع طائفة أياً تكن أو مذهب أيا يكن)..وأيضاً لن تكن مع دمشق إذ تدعو إلى أكثر من خرابها عندما توقظ في نفوس مرتزقة طائفيين دعوات الهمج الجدد.

أما عن ختام البيان الذي يبدي فيه النوري مفاجأته: (فوجئت كما فوجئتم، وكان دواء المفاجأة هو المعرفة.. ألم نكتفي (نكتف) من إعادة إنتاج الأمس! و دون طائل)...أنا شخصياً لم أدهش أو أصدم بحجم الرد على هذا النفَس الطائفي الأسود، وأما عن إنتاج الأمس فعلى السيد النوري أن يلتفت قليلاً ويحدق في مسقط راسه حيث ولد في حي "الجورة" ليرى حضور الأمس بكل عفنه وسوداويته وانتقامه.

"هنري غورو" الذي ركل ذات يوم بغيض قبر الناصر وقال جملته الشهيرة "قد عدنا يا صلاح الدين"..غورو اليوم يجد من يرددها من وراءه وقرب الضريح ها نحن نعود يا "غورو" إلى ما عدت إليه.

*من كتاب زمان الوصل
(283)    هل أعجبتك المقالة (363)

طرفة الشاعر

2018-12-01

كلام الكاتب مليء بالتفاصيل لكن العارفين بالتاريخ يعرفون أن صلاح الدين ومعظم الأسماء الكبيرة كذب بكذب..


عدنان عبد الرزاق

2018-12-01

جميل أبا حازم...أحييك.


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي