أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الأسد يراسل نتنياهو... ماهر شرف الدين*

ماهي العلاقة التي تربطهما..؟

بعد يومين كاملين، وبعد ضجَّةٍ لا يمكن تجاهلها، اضطرَّت "الهيئة العامَّة للإذاعة والتلفزيون" للخروج ببيان اعتذار عمَّا أسمته "خطأً"، بسبب بثّ قناة "سبورت 24" (التابعة للنظام) فقرة مطوَّلة لفريق الجمباز الإسرائيلي، مع ظهور العلم الإسرائيلي بوضوح، ومع كتابة اسم إسرائيل بحروف كبيرة.

بالطبع ليس السهو أو الإهمال هما اللذان أدَّيا إلى ما حدث، كما يزعم البيان. فما عرضته القناة ليس لقطةً سريعةً في بثّ مباشر، بل فقرة كاملة في برنامج خضع للمونتاج قبل بثّه!

وإذا أخذنا على محمل الجدّ وعيد البيان بالمحاسبة، فعلينا أن نتخيَّل إذاً أن القائمين على التلفزيون سيضطرّون إلى محاكمة بشار الأسد نفسه! لأنَّ قراراً كهذا بتغطية نشاط رياضي إسرائيلي على شاشة رسمية، وبهذه "الحفاوة"، لا طاقة لمسؤول سوري عادي على تحمُّل تبعاته، سواء أكان مديراً للقناة أو مديراً للهيئة العامة.

فمثل هذا القرار لا يمكن أن يصدر إلا عن الدائرة الضيّقة للعائلة الحاكمة، تماماً كما حصل في بداية الثورة السورية حين قام رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، بإعطاء تصريحه الشهير لجريدة "نيويورك تايمز" والذي ربط فيه أمن إسرائيل ببقاء النظام: "لن يكون هناك استقرار في إسرائيل ما لم يكن هناك استقرار في سوريا".

والحقّ أنه في كلّ ما يتعلَّق بالإشارات المتبادلة بين آل الأسد وإسرائيل، علينا ليس فقط استبعاد "حُسن النيّة" من المسألة، بل طردها ورميها بالحجارة إذا استطعنا.

لقد نجح الأسد الأب في صنع شيفرا خاصة بينه وبين إسرائيل تُغنيه عن التواصل المباشر، وقد سبق أن تحدَّثتُ عن ذلك في أحد لقاءاتي التلفزيونية قبل سنوات. وهذه الطريقة في تشفير الرسائل، والتي كان ظهورها الأوَّل والفاقع في نصّ البلاغ العسكري رقم 66 الذي أعلن سقوط القنيطرة قبل أن تسقط فعلياً، استمرَّت منذ ذلك الوقت بطرق وأشكال مختلفة.

ولشرح فكرة هذه الشيفرا الخاصة التي ابتكرتها عائلة الأسد ومرَّرتها تحت غبار الشعارات، ليس لديَّ ما هو أفضل من مثال قرية الغجر (العلوية) في الجولان المحتل.

شيفرا قرية الغجر (العلوية)
بعد صدور قرار الضمّ الإسرائيلي للجولان السوري المحتلّ سنة 1981، والمسمَّى "قانون الجولان" والذي ينصّ على "فرض القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية"، تظاهر سكَّان جميع القرى المحتلَّة (مجدل شمس، مسعدة، بقعاتا، عين قنية) ضدّ هذا القانون رافضين تسلُّم الهوية الإسرائيلية، ومعلنين الإضراب العام... باستثناء قرية واحدة هي قرية الغجر، والتي هي -ويا للمصادفة- القرية الوحيدة التي ينتمي سكَّانها إلى الطائفة الدينية ذاتها الذي ينتمي إليها رئيس البلاد آنذاك حافظ الأسد!

مئة في المئة من سكَّان قرية الغجر (العلوية) تسلَّموا الهوية الإسرائيلية، بحسب السجلَّات الإسرائيلية... في حين رفضها معظم سكَّان القرى الأخرى!

كان التلفزيون السوري الرسمي يغطّي تظاهرات الجولان الرافضة للهوية الإسرائيلية ويبثّ الأغاني الحماسية... في حين كان أبناء القرية العلوية الوحيدة في الجولان قد تسلَّموا -وعن طيب خاطر- تلك الهوية، وبنسبة مئة في المئة!

إن السؤال الأهمّ الذي تطرحه هذه الحادثة التاريخية يتعلَّق بهذه النسبة تحديداً: مئة في المئة. فهل من المعقول أن حافظ الأسد الذي كاد أن يصل إلى رتبة القداسة لدى أبناء تلك القرية الصغيرة لم يستطع أن يمون على جزء بسيط من سكّانها فيطلب منهم المماطلة على الأقلّ في استلام الهوية الإسرائيلية؟! هل من المعقول أن حافظ الأسد، بكلّ ثقله السياسي والطائفي يومذاك، فشل في إقناع أي أسرة من أسر تلك القرية بتأجيل قبول أفرادها بما رفض قبوله بقية أبناء القرى؟!

بالطبع لا. وبالطبع فإن نسبة المئة في المئة التي حقّقتها القرية العلوية الوحيدة في الجولان في قبول أبنائها لتسلُّم الهوية الإسرائيلية جاء بقرار أعلى من الأسد الأب، تماماً كما جاء قرار عرض الفقرة المطوَّلة لفريق الجمباز الإسرائيلي على شاشة رسمية بقرار أعلى من الأسد الابن.

إنها رسالة جديدة "مشفَّرة"... مع فارق أن مفاتيح شيفرتها اليوم باتت في متناول الجميع!

*من كتاب "زمان الوصل"
(282)    هل أعجبتك المقالة (258)

رمضان

2018-11-29

نظام مفطوم على الخيانة و لن يسد جوعه إلا الخيانة.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي