أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عن السويداء و"العيشة الذليلة".. ماهر شرف الدين*

الكاتب: هل يعلم ذلك الشيخ المهرّج بأن عمامة الدروز لا تُرفع تحيةً للمعتدين بل تُرفع لإعلان الحرب عليهم

أعادت مطربةٌ من السويداء غناء إحدى أهازيجنا الشهيرة والتي تقول: "خَسَا (خسئ) من قال عيشتنا ذليلة".

لكنَّ الحقيقة لا تقيم في كلمات الأغاني، بل في نشرات الأخبار. الحقيقة هي ما تراه أعين الناس، لا ما نردّده عن أنفسنا. فعيشتنا ليست ذليلة فحسب، بل وذليلة جداً.

وما يزيد من ذلّ هذه "العيشة"، أننا لم نكتفِ بتشويه حاضرنا، بل مددنا يدنا إلى الماضي ورحنا نشوّه فيه. رحنا نقصّ من عباءة هذا الماضي لستر عوراتنا اليوم. ولم تنسترْ عوراتنا، وتقطَّعت عباءة الماضي إرباً إرباً!

وما يزيد من بؤس واقعنا -نحن أبناء جبل العرب- أننا ورثة تاريخٍ، بدل أن نحافظ عليه "بسَّطنا" به لبيعه كأي قطعة أنتيكا على رصيف المذبحة الأهلية الجارية في سوريا.

فبعض عاداتنا التي جَدَلها الأجداد بحبل الوريد، ها نحن نمارسها اليوم بطريقةٍ أين منها الهزل على مسرح الدكتاتور: رفع العمامة عن رأس الشيخ، كسر الفنجان بعد شرب القهوة، أهازيج الحرب... وطقوس كثيرة كان الجبل في الماضي لا يكون بعدها كما كان قبلها.

هل يعلم ذلك الشيخ المهرّج الذي رفع اللفَّة (العمامة) عن رأسه في حضور موفد السفَّاح ماهر الأسد، بأن عمامة الدروز لا تُرفع تحيةً للمعتدين بل تُرفع لإعلان الحرب عليهم، وبأن أوَّل من اجترح هذا الطقس الذي يعني أن رافع العمامة طالبُ موتٍ هو شاعر الدروز وفارسهم الشيخ أبو علي قسَّام الحناوي حيث رفع عمامته في معركة قراصة ضدّ العثمانيين سنة 1878، ومن بعده رفعها رفاق سلطان الأطرش قبل معركة الكَفر ضدّ الفرنسيين سنة 1925؟

هل يعلم ذلك الإمَّعة الذي رفع عمامته في حضور موفد ماهر الأسد بأنه لم يفعل شيئاً سوى الكشف عن "قَرعته" أمام الناس، والكشف أيضاً عن واقعنا الـمُزري والأليم في السويداء؟!

هل يعلم الإمَّعة الآخر الذي رفع بشار الأسد على كتفيه بأنه رفع نعشاً لآخِر أملٍ لنا في الوقوف ببقية احترام أمام تاريخ الجبل وأجدادنا الذين جعلوا شاعر دمشق محمد البزم يقول سنة 1925: "غادرْ دمشقَ ويمّمْ دارَ سلطانا/ على السويداء لا تحفلْ بمن مانا".

نحن اليوم حالنا في السويداء كحال أيّ وريث فاشل بدَّد ثروة أبيه. نحن أبناء جبل العرب اليوم الورثة الفاشلون لثروة لا تُقدَّر بثمن بدَّدناها بلعبة قمار في كازينو آل الأسد.

نعم أيتها السيّدة التي غنَّت بحماسةٍ: "خسا من قال عيشتنا ذليلة"، إن عيشتنا ذليلة، وذليلة جداً، ولن تستطيعي تغيير الحقيقة بصوتكِ الجميل.

*من كتاب "زمان الوصل"
(239)    هل أعجبتك المقالة (245)

رضوان نصار

2018-11-28

احي هذا المقال الصريح ليعلم كل مواطن أين يضع قدميه بدلا من الأحلام و الخيالات.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي