ربما يتذكر سوريون ما سبق أن كتبت "زمان الوصل" عن المكتبة السرية التي أقامها أبناء مدينة "داريا"، أثناء فترة الحصار والقصف تحت الأرض، لتكون بعيدة عن نيران القصف وشظايا القنابل والصواريخ التي كانت تتناثر في كل مكان وعلى مر الليل والنهار.
أربعون شابا من "أيقونة الثورة السورية"، كانت تجربتهم محورا أساسيا في محاضرة عقدت مساء اليوم الأحد في المركز الثقافي بالضاحية الباريسية "كريتي"، بعد أن أسسوا مكتبة ضخمة قوامها 15 ألف كتاب، سرا وتحت الأرض، جمعوها من بين أنقاض البيوت المدمرة، ليحموها من التلف وبالتالي الضياع والاندثار.
وركزت المحاضرة على عظمة التجربة رغم أن المدينة كانت منكوبة وعاشت تحت حصار خانق لنحو خمسة أعوام لا ماء ولا غذاء ولا كهرباء، إلا أن هؤلاء الشبان كانت لهم طريقتهم الخاصة في مقاومة القنابل ووحشية الحرب، فكانت الكلمة ملجأهم في رحلة خيالية للنجاة من أهوال وجرائم نظام الأسد.
المنسقة الثقافية في مركز "كريتي" الثقافي "ماجدة بو رحيم" أكدت في حديث مع "زمان الوصل" على أن الفن والثقافة يساعدان دائما على نشر السلام وإحلاله، مشيرة إلى أنها قررت أن تسلط الضوء على تجربة شبان "داريا" بعد أن قرأت أحد الأخبار عنهم.
وشددت "بو رحيم" على أن الكتاب "يتيح للإنسان أن يتعايش مع واقعه المر، مثل الواقع الذي كانت عاشته مدينة داريا وغالبية المدن السورية أثناء الحرب، وهنا كانت المحاولة والتجربة التي سعت لأن تكون القراءة السبب في تثقيف النفس وإتاحة المخرج من الواقع السيئ. لأن الكلمة والكتاب لهما قوة ولهما سلطة".

وقالت: "مهمتنا التعريف بالثقافة العربية والمثقفين العرب، وبعد انطلاق ثورة الشعب السوري، أخذت جزءا من اهتمامات جمعيتنا، وآنذاك قررت أن يكون لهذا الشعب حيزا من الفعاليات، ومن هنا كانت بداية النشاطات التفاعلية والحوارية التي ساهمت بشكل كبير بتعريف المجتمع الفرنسي على الحضارة السورية كما ساهمت في إخراج السوري من أجواء الغربة".
ولأن اسم "داريا" ارتبط بثورة الكرامة السورية، قصفها بشار الأسد ونظامه بآلاف الصواريخ المدمرة والقذائف المدفعية والبراميل المتفجرة والألغام البحرية والقنابل الفراغية، إذ وصلت حصيلة القصف اليومي لأكثر من أربعين برميلاً متفجرا، وهو ما جعل الأمم المتحدة تسمي داريا "العاصمة السورية للبراميل المتفجرة".
وفي مداخلة للصحفي "فراس اللباد" قال: "رغم كل ما قام فيه نظام الأسد من تدمير وتهجير وقتل ودمار، لكن الشعب السوري منذ اليوم الأول للثورة السورية لم ييأس، وكان مثابرا في العمل والعلم والثقافة، من خلال اللافتات التي رفعها في مظاهراته اليومية".

وأضاف: "الشعب السوري الثائر تحدى كل أنواع الظلم والقهر الممارس عليه من قبل النظام وميليشياته، من خلال افتتاح مكتبات ثقافية كما في داريا، ومدينة انخل في محافظة درعا التي افتتحت مكتبة ضخمة ضمت (7000) آلاف كتاب تم جمعها بعد تدمير المدارس والمراكز الثقافية من قبل طائرات نظام الأسد، وكان هنالك أيضا مبادرة من شبان في مدينة "كفرزيتا" بالتعاون مع مجلسه المحلي، حيث قاموا بجمع الكتب المرمية منذ 7 أعوام في أقبية المدارس، وكل ذلك من أجل محاربة التخلف بالقراءة والعلم، لأن الثقافة لا تتأثر بالحرب ولا تموت ابدا".
وأكد على أن الشعب السوري لن يستسلم لممارسات نظام الأسد وسيحاربه بالعلم، لأن هذا النظام يخاف هو وقواه الظلامية من الكتاب الذي يعتبر أهم سلاح على وجه المعمورة.
وقبل أن يتم تهجير سكان داريا المنهكين بالحصار قسرا في آب -أغسطس/ 2016، دمر نظام بشار الأسد أكثر من 85% من بناها التحتية، وأجبر 90% من سكانها على النزوح، فلم يتبقَّ من أهالي المدينة الذين يبلغون 260 ألفا، إلا 12 ألفا فقط.
ودفعت مدينة "داريا" بسبب صمودها وثوريتها العظيمة ثمنا كبيرا تعجز عنه دول مجتمعة، فمن أجل كسرها وإركاع أهلها استخدم نظام الأسد ما أوتي من قوة على مرأى العالم أجمع، فبدءا من الأسلحة النارية الفتاكة مثل البراميل والصواريخ والقنابل الكيماوية، ومرورا بسلاح الحصار وانتهاء بسلاح التهجير القسري الطائفي.
باريس - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية