أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أمريكا أولاً.. نحن ماذا؟؟*

ترامب - أرشيف

قالها ترامب بكل عقيدته وقناعته وبالفم الملآن، واختصر كل الجدل الكبير حول الموقف الأمريكي من مقتل الصحفي جمال خاشقجي في سفارة بلاده بكل وحشية، وكان سيبدو تذاكياً لو أن أحداً منا توقع ما قاله ترامب كنتيجة نهائية لطموحاتنا في عالم ينتصف للضحية...أمريكا أولاً.

أمريكا أولاً قبل الإنسانية والحقيقة والدم، وأمريكا التي يعنيها ترامب هي كل الصفقات التي تجلب المال الكثير للعاطلين عن العمل، ولدور الاقتصاد الأمريكي، ولصناعة مزيد من السلاح للقضاء على من بقي من معترضين في هذا العالم الثالث، وأمان طويل الأمد للربيبة المدللة اسرائيل الديمقراطية الوحيد التي يريدها الغرب في هذا الشرق الموحش حتى الثمالة.

هي كذلك قبل ترامب وبعده، والذين سبقوه قالوها بطرق شتى إما بالسلاح أو الحصار، والفارق فقط في أن ترامب يقولها بكل الطرق والأساليب، أمريكا أولاً حيث هنا يجب القتل وهنا الحصار وهناك يأتي الإهمال والنسيان بما يأتي به السلاح.

أما نحن الذين انتظرنا أمريكا كي تنصفنا من هذا الموت والتغول فما زلنا نفتح أفواهنا النتنة مبهوتين في كل مرة من موقفها، وخذلانها، ونمسك بجدران مباكينا -التي تتكاثر- مرددين اللعنات القديمة، وعبارات الأسى عسى أن يأتي يوم تفرغ فيه أمريكا لقضايانا ودموعنا.

وزير دفاع ترامب يشرح ما قاله رئيس الدولة العظمى (نتطلع إلى مرحلة ما بعد اغتيال خاشجقي)..إذاً لترتب أيامنا وجدراننا على مزيد من القتلى والدموع والخيبات، ومسؤول آخر يطالب السعوديين بسداد التزاماتهم المالية بنفس المواعيد المتفق عليها..هي هكذا الحكاية من دون ذروتها المنتظرة.

بالمقابل توضع الترتيبات الأخيرة لصفقة القرن التي ستضع حلولاً نهائية للملفات العالقة في فلسطين واليمن وسوريا...حيث لإسرائيل حصة الأسد في كل هذه الملفات وبموافقة جميع الأطراف اللاعبة الكبرى، والثمن سيسدد من أموال ضحايا الشرق الأوسط التي يتحكم بها القَتَلة الأبرياء.

السوريون يدركون اليوم أنهم جزء من تفاهمات هذا العالم الحانق على الحرية والحقيقة، وأنهم دفعوا أثماناً باهظة في هذه السنوات الطويلة من الصراع لأجل انعتاقهم، وخسروا بيوتهم وأبناءهم وأحلامهم، وأن الآخرين الذين يتحدثون باسمهم لن يتركوا لهم وطناً كما كان، أو وطناً كانوا يريدونه.

في الوطن تخرج أصوات تنادي بإسقاط كل رموز التاريخ والذاكرة، وأن العودة إلى مجتمع الأمس يقتضي تفاهمات جديدة على ما كان متفقاً عليه بالأمس، ومراجعات لكل ما كان يُعتقد أنه يوحدنا من حدود ورموز إنسانية ووطنية، وبالتالي يجب أن نرسم دستورنا الجديد على فكرة المنتصر والمهزوم، وبأقل الإيمان دستور الأمر الواقع.

خارج الوطن تتشتت الرؤى أكثر، والشتات أبعد من منفى، وأكثر من صوت، ولغة التخوين والريبة في كل عاصمة لهذا التشظي الكبير، وأما البشر الذين هربوا في كل الاتجاهات فمحكومون بما ستجود به الأيام القادمة في مجتمعات الاستضافة المذلة...وإن كان لا بد من أمل.

*عبد الرزاق دياب - من كتاب "زمان الوصل"
(189)    هل أعجبتك المقالة (190)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي