أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

جنازة دريد لحام... ماهر شرف الدين*

الكاتب: وجد دريد لحام نفسه، بعد الثورة، على مسرح لم يعهد مثله طوال حياته

حين بدأ دريد لحام رحلة انكشافه مع بداية الثورة، كاشفاً عن نفسه بوصفه مجرَّد ممثّل بارع أدَّى أدواره الفنية مثلما يؤدّي مخبرٌ مجتهد أدواره الأمنية، كتبتُ بأنَّ دريد لحام "ممثّل كبير وإنسان صغير".

ومنذ ذلك اليوم ودريد لحّام الإنسان يصغر أكثر فأكثر. كلّ لقاء معه محا منه شيئاً. كلّ كلمة قالها محتْ جزءاً منه. كلّ تصريح أدلى به مسحَ قطعةً من ذلك الممثّل المتميّز الذي كانه ذات يوم. وفي نهاية الأمر لم يبقَ منه شيءٌ ليتمّ محوه.

لقد وصفتُ آنذاك دريد لحام بالممثّل وليس بالفنان، لأن الفرق، برأيي، بين الممثّل والفنان يصنعه الموقف الأخلاقي الذي افتقده دريد لحام منذ زمن طويل؛ منذ حادثة الاعتداء على رفيق دربه نهاد قلعي، بل وقبلها حين كان يفتتح مسرحياته بإزجاء التحية للدكتاتور الذي كان من المفترض أن تُدينه المسرحيات التي أدَّاها.

مع ذلك علينا الاعتراف بأن غياب الموقف الأخلاقي عن مسيرة دريد لحام، قبل الثورة، وإن حرمه الارتفاع درجةً، لم يهبط به درجةً على المستوى الشعبي. فالسائد أن الأغلبية، كتّاباً وأدباء وممثّلين وفنّانين، قد حنوا هاماتهم إلى المستوى الذي يسمح لهم بالوقوف تحت السقف الذي حدَّد ارتفاعه الدكتاتور بنفسه. وبالتالي فإن غياب الموقف الأخلاقي عموماً -بسبب شيوعه في سوريا والعالم العربي- جعله حدثاً عادياً ومادَّةً غير مرسّبة عند حساب المجموع العام لهؤلاء.

ما فعلته الثورة كان خطيراً بالنسبة إلى شخص مثل دريد لحام. ما فعلته الثورة أنها أوقفت عروض التمثيل وقالت للجميع: الآن جاء دور الموقف الأخلاقي.

وبدل أن يلوذ دريد لحام بالصمت، مثلما فعل سواه، أو أن يحاول استعمال لغة واقعية في النقد، راح يشيد بقَتَلة شعبه، وراح يُحرّض على الفنانين الذين امتلكوا جرأة المعارضة. وقد بلغ به السقوط أن أدَّى علناً قَسَم الولاء لمرشد إيران الخامنئي. وقد بلغ به السقوط أن قال عن الفنانين المعارضين للدكتاتور بأنهم لو لم يخرجوا من سوريا لكان قد "دفع" لهم لكي يخرجوا!

الجمل التي قالها بالأمس والتي أسالت الدموع من عيوننا، صارت اليوم كلاماً مقزّزاً حين يعيد دريد لحام قولها. "صرماية الوطن"، "مو ناقصنا إلا شوية كرامة"... ووبقية جمله العاطفية الشهيرة التي قالها في الماضي، صارت في الحاضر أسوأ ما يمكن قوله.

لقد وجد دريد لحام نفسه، بعد الثورة، على مسرح لم يعهد مثله طوال حياته. مسرح يقف فيه على الخشبة قبالة سيّده الدكتاتور نصف العاري. وفي اللحظة التي كان الجمهور ينتظر منه أن ينزع عن الدكتاتور ما تبقى من ثياب... خلع دريد لحام ثيابه وألبسه إياها. 

لأوَّل مرة يكون العمر الطويل من سوء حظّ إنسان. لو رحل دريد لحام قبل بداية الثورة، لمشت سوريا كلها في جنازته. لقد كانت استطالة عمره إلى زمن الثورة الضربة القاصمة لممثّل كبير فشل في أن يكون إنساناً.

*من كتاب "زمان الوصل"
(315)    هل أعجبتك المقالة (431)

عبدالحكيم احمد

2018-11-22

منتفع كغيره من الشبيحه ولكنه اقل كرامه منهم.


Samir EL-Dib

2018-11-22

اقدر سخصية غوار الطوشه واحتقر شخص دريد لحام.


مواطن سوري

2018-11-22

النفاق درجات.


التعليقات (3)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي