من رأى آثار التعذيب على جسد الناشط الإعلامي بلال سريول، لن يخطر في باله بأنه كان سجيناً لدى فصيل مسلَّح يدَّعي بأنه يقاتل من أجل الحرية.
72 ساعة اعتقال في سجنٍ يتبع لما يُسمَّى "فرقة السلطان مراد"، ذاق خلالها سريول شتَّى صنوف التعذيب الجسدي، وخرج بكدماتٍ اعتدنا على أن تكون صنيعة يد الاستبداد لا صنيعة يد الحرية. ربما كانت لسعة الكرباج على جسده أشدَّ وأقسى من لسعة أي كرباج آخر، لأنها تتمّ باسم الحلم الذي خرج جيلُ سريول في سبيله.
في حدود علمنا أن الاستبداد، فقط، هو الذي يملك سجوناً لتعذيب معارضيه. فلم نسمع يوماً بأن "الحرّية" لها سجون وجلَّادون وكرابيج.
في حدود علمنا أن الحرية والكرباج نقيضان، وأن طلَّاب الحرية لا يمكن أم يحملوا كرباجاً.
خارطة سوريا التي كانت مليئة بالنقاط السوداء الدالَّة على مواقع سجون النظام، بات لها نسخة شبيهة لمواقع سجون الفصائل.
في تلك السجون تقبع الأحلام المحطَّمة لكلّ سوري خرج يواجه الاستبداد بحنجرته. في تلك السجون يقبع المستقبل الذي حسبناه يقف منتظراً عند آخر النفق. في تلك السجون تبخَّرت رزان زيتونة ورفاقها وغاب ياسر السليم وعبد الحميد البيوش.
لقد استنسخت تلك الفصائل تجربةَ النظام بحذافيرها، من الكلابشة إلى الصعق بالكهرباء إلى "بساط الريح" و"الشبح". لقد استنسخت الظلام لكنْ بلون أعمق، والظلم لكنْ برايات مقدَّسة.
وبعد كلّ هذه السنوات الجدباء من حكم الفصائل، وبعد كلّ هذه التجارب المكرَّرة لمقلّدي جلَّاديهم، ثبت للسوريين بأنَّ أحلام قادة تلك الفصائل لم تتعدَّ حدود أن يكونوا على هيئة الدكتاتور الذي زعموا بأنهم خرجوا ضدَّه.
إنَّ الحرّية في مفهوم هؤلاء هو الاستبداد لكنْ حين يطلق لحيته. الاستبداد حين لا يكون حليقاً. الاستبداد حين يستبدل شعاراً فضفاضاً بشعار فضفاض آخر.
اعتقال عشوائي ليس للمعترضين على سلوك الفصائل فحسب، بل لكلّ من قد لا يعجب رأيه السياسي قائد الفصيل المسيطر في المنطقة. لا قضاء ولا محكمة، وإن وُجدا أحياناً فمن مستلزمات الديكور الرثّ.
مساجين سابقون في سجون النظام باتوا سجَّانين حاليين في سجون الفصائل. أحد أشهر الجلَّادين اليوم كان نزيلاً في سجن صيدنايا. أحد أشهر الجلَّادين في سجنٍ يتبع لأحد الفصائل يُطبّق على أجساد الآخرين ما طبَّقه جلَّادو صيدنايا على جسده. يا لهذا الغرام الرهيب بلعب دور الجلَّاد!
لقد كان أمامي اليوم موضوعان للكتابة عنهما: الأصوات المخنوقة لمعتقلي "سجن حماة المركزي" مع دخول إضرابهم عن الطعام اليوم السابع احتجاجاً على أوضاعهم اللاإنسانية وعلى أساليب التعذيب التي يمارسها جلَّادو النظام عليهم... والأصوات المخنوقة لمعتقلي سجون الفصائل وممارسات التعذيب الممنهج ضدّهم.
لقد كان أمامي اليوم خياران للكتابة، خياران للبكاء، خياران للتأمُّل في مغزى هذه الكارثة المستطيلة التي تعمُّ البلاد.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية