في جلسة مع صديق فرنسي مقتنع بأن بشار الأسد مجرم بحقّ السوريين، لكنه حدّثني عن خطوات سمّاها إيجابية يقوم بها الأسد على طريق الديموقراطية، مثل تزويد سجن حماة بالإنترنت، وامتثاله لأمر محكمة سورية بإعادة صحفي لحضور المؤتمرات الصحفية بالقصر الجمهوري بعد منعه منها، وهذا تحديدا شبّهه مع ما جرى لمندوب "سي إن إن" مع الرئيس الأمريكي.
في صباح يوم الجلسة المذكورة كنت قد تلقيت نبأ وفاة قريب لي تحت التعذيب في سجون هذا البشار الذي "يخطو إلى الديموقراطية"، فتحت هاتفي وعرضت عليه صورة قريبي، وسألته هل تعلم أن بشار قتله في السجن وسلّم هويته لأهله اليوم، فقط هويته، ولم يقتله وحده بل مع 16 آخرين، بقي لذويهم بطاقاتهم الشخصية فقط، وكل هذا في يوم واحد.
بادرني بالتعزية، لكنه بدا غاضبا وحمّلني "أنا الصحفي" وزملائي في المهنة مسؤولية عدم نشر مثل هذا الخبر في الصحافة الغربية بلغاتها المتخلفة، لم أجد ما يقنعه من بين كل ما سقته من مبررات، وأهمها تساؤلي، وماذا فعل الغرب تجاه خمسين ألف صورة لأشخاص قتلهم الأسد تحت التعذيب، وقد عرضت في فرنسا وأمريكا والأمم المتحدة.
نعم، نحن مقصرون أو عاجزون، أو أن ثوريتنا منقوصة، ذلك المجرم يقتل بكل الطرق ويمارس كل أنواع الإجرام، ويستطيع تسجيل نقاط له وسط صفحته السوداء، يسوّق لشيء غير موجود، فيما نحن الذين نمتلك كل الحق والأدلة نعجز عن رسم الصورة كما أمام الجهة الفاعلة.
لا شك بأن كتابات وصور ومشاهد كثيرة جدا أوصلها إعلاميو الثورة إلى العالم، إلا أن حجم التدفق الإخباري لا يتناسب مع كمية الإجرام والأحداث التي شهدتها الثورة، إن الغرب الذي غضّ الطرف عن انتهاكات النظام لا يمكنه الوقوف بوجه رأي عام يطالبه بالتحرك ضد هذا النظام، لكننا نستطع تكوينه في مجتمعاته.
ما يمتلكه النظام من قدرة إعلامية ومالية توازي إجرامه، أسهمت من تلطيفه أو الحدّ من تأثير الخبر المعاكس عليه، الخبر هنا بات متكررا، لكن الحملات الإعلامية والعلاقات العامة هي التي استمر بها النظام وموّلها بميزانيات مفتوحة، وهذا ما لم تفعله مؤسسات المعارضة السورية، رغم أنها امتلكت إمكانات مالية وبشرية بددتها برعونة.
تكوين الرأي العام يحتاج كمّا تراكميا من الأخبار والمعلومات الداعمة، يقتضي تدفقها أياما وشهورا وسنوات كما في حالتنا السورية، لا سيما أن حكومات الغرب عملت على نقل الصورة الوسطية لشعوبها عن مجريات الأحداث في سوريا عبر إعلامها الحكومي أو الخاضع لتأثيرها، ساعدها في ذلك التجاوزات الميدانية الكبيرة لفصائل المعارضة المسلحة وربطها مع ممارسات "داعش" و"القاعدة".
لم تكن بعض الإشراقات الإعلامية كافية لإحداث خرق مجتمعي في الغرب يدفع الناس لمطالبة الحكومات بإيقاف إجرام الأسد، وكان نظام الأسد يعاقب أي حكومة تفكر جديّا بالقيام بخطوة بهذا الاتجاه، أو أي تحرك مجتمعي يستشعره من خلال القيام بعمليات إرهابية تستهدف المدنيين، ويكلّف فصيله "داعش" بتبنيها، وكما ذكرنا فإن "داعش" هي من فريق المعارضة وفق نظرة عموم مكونات الرأي العام الغربي.
افتقدت الثورة السورية المنبر الدولي، ولم تسع المعارضة لإنشاء مثل هذا المنبر رغم أن ما وصلها من أموال مخصصة للإعلام، وما كانت تستطيع الحصول عليه من داعمين سوريين وعرب كان كافيا لإنشاء شبكة إعلامية متكاملة تنطق بكل اللغات وتبثّ لكل الأرض، غير أنها لم تفعل لأسباب كثيرة لا يتحملها الصحفيون السوريون المعارضون كأشخاص لأنه لم يُسمح لأداة الوصول إلى العالمية بالوصول إلى أيديهم، وبقيت الإمكانات بأيدي من لا يريد ذلك، كما لم يعترض الداعمون على هذا، ولعلهم طلبوه.
السوريون في أوروبا اليوم كان يمكن أن يحدثوا الفارق، إنهم إعلام عفوي ينشر القضية السورية ويطلع الرأي العام الغربي عليها، لكن الحال لن يتغير لأن نسبة كبيرة منهم يؤيدون نظام بشار الأسد القمعي، وهم بوق مجاني يسّوق له، ويعودون بنا إلى حالة "الوسطية" التي تروجها الحكومات.
*عبد السلام حاج بكري - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية