تعكس قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي ومقتله في قنصلية بلاده في اسطنبول عددا من الحقائق التي يمكن استنتاجها ببساطة، فهي إضافة إلى كونها مؤشرا واضحا على نوعية الأنظمة العربية وطرق تعاملها مع المعارضين، فإنها أيضا تكشف شكل العلاقة بين هذه الأنظمة والدول الكبرى وتكشف حجم التآمر الدولي على الشعوب العربية عبر حماية الغرب للأنظمة الديكتاتورية في المنطقة.
لقد اختار الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة زعماء عصابات وأولوها الحماية والرعاية لتكون حارسة على تخلف المنطقة العربية وراعية لاستمرار تمايزها السلبي وتأخرها عن اللحاق بركب الحضارة العالمية.
ولطالما صدّقت الشعوب العربية كذبة أنظمتها حول دور إسرائيل في تخلف الدول العربية صناعيا وفكريا وثقافيا وسياسيا وحضاريا لنكتشف -متأخرين مع الأسف- أن دور أنظمتنا في رعاية التخلف ودعمه لا يقل عن الدور الإسرائيلي.
الجميع يعلم أن الرواية السعودية بنسختها الأخيرة الصادرة عن المدعي العام السعودي كاذبة وهزيلة البناء والمتن، الجميع، بما فيهم عواصم الغرب المهمة مثل واشنطن ولندن وباريس بل وحتى المسؤولين السعوديين يعرفون جيدا أن شعوبهم لا تصدقهم وهم متأكدون من ذلك، ومع هذا فإنهم يمعنون في الكذب ويمعنون في تقديم روايات خارقة وخيالية، فليس المهم هنا أن تصدق الشعوب العربية تلك الكذبة أم لا، بل قد يكون المطلوب هو أن تعرف تلك الشعوب أن أنظمتها تكذب عليها، وأنها سلطة باقية بالإكراه، كما جاءت بالإكراه والسيف، وذلك إمعانا في إذلال الشعوب، وبث مزيد من الشعور بالإحباط واليأس حيال أي حلم أو رغبة في التغيير، وكأن هذه الأنظمة تقول لنا بصريح العبارة (نعم نحن نكذب وبلطوا البحر إن شئتم) هذا هو لسان حال الديكتاتوريات التي أحب أن أطلق عليها هنا صفة (الديكتاتوريات الوقحة)، فكل الأنظمة التي عرفتها بلاد العالم خلال القرن الماضي وحتى اللحظة كانت تحاول جاهدة أن تنفي عنها صفة الديكتاتورية فكوريا الشمالية على سبيل المثال اسمها كوريا الديمقراطية كل الحكومات الاستبدادية في العالم تحاول أن تقرن نفسها بالديمقراطية، وأنها باقية بحب الشعوب لها إلا في منطقتنا العربية، فإن ما يحدث هو العكس، إذ تريد أنظمتنا إثبات أنها ديكتاتورية وقمعية ولا يهمها من أمر شعوبها شيئا ولا تحاول إقناع الشعوب بأي أمر، فهذا غير مهم، ذلك أن المهم هو معرفة طبيعة هذه الأنظمة وأن تدرك الشعوب أنها إن رغبت في التغيير، فكأنها تناطح الصخر بسبب الحماية الغربية، فإن كان شعب عربي في أي دولة عربية يحلم بالتغيير كان لزاما عليه الحصول على رضى السادة في واشنطن وباريس ولندن وموسكو.
أما الدول الاستعمارية الداعمة لتلك الأنظمة فإنها تعود لوقاحتها السابقة، فبعد الحرب العالمية الثانية خرج المستعمر المباشر بجيوشه ومندوبيه الساميين ليضع حكومات تمثله وتمثل مصالحه، ولكن الدول الاستعمارية ذاتها ومع مطلع الألفية الثالثة عادت لسياساتها القديمة أي إلى الاستعمار المباشر مع تطور عسكري أكبر من ذي قبل وأعداد جيوش لا تقارن بما مضى ونظرة سريعة على جغرافية الوطن العربي تكشف لنا أنه يندر أن تجد دولة عربية لا تدوسها أقدام جيوش مستعمرة بمباركة من حكام تلك الدول وبحجج مضحكة، فتارة بحجة مقاومة الإرهاب وتارة بحجة الحماية وهكذا تتوالى الحجج لتبرير الاستعمار المباشر بأساليبه القديمة ذاتها، بأساليبه الوقحة ذاتها.
الاستقواء بقوى أجنبية ضد الشعب العربي من قبل حكامه والاستقواء بالأجنبي ضد الدول العربية فيما بينها بات سمة الأنظمة العربية وطبيعة حكمها بشكل واضح ومفضوح، بل وبشكل متعمد أن يكون واضحا ومفضوحا، نحن نكذب فماذا تستطيع أيها الشعب المغلوب على أمره أن تفعل؟ نحن نقتل ونرتكب المجازر فما أنت فاعل أيها المسكين المقهور؟ نحن محميون بعصابات الغرب وقوته وهذا الغرب قادر على سحق أي تمرد فاخنع واسكت أيها الشعب ولترض بما قسمناه لك من فتات!
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية