أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

المتر الأخير من السيادة.. عبد الرزاق دياب*

أرشيف

لم يعد خافياً على أي سوري في داخل الوطن وخارجه مقدار عجز ونفاق النظام السوري في إدارة شؤون الناس واقتصادهم، وبات ملف الإرهاب والسيادة والعصابات المسلحة نسخة غير قابلة للتعديل والتدوير من أجل إطالة أمد الركوب على ظهورهم.

بين إعادة الإعمار وراتب الموظف يقبع مسؤولو النظام في المتر الأخير من السيادة على بلد باتوا هم آخر أعبائه، ونفذت من جعبتهم آخر سهام التضليل والتدليس، وحتى افتعال المنغصات لم يعد يقنع أولئك الذين هتفوا طوال السنوات السبع الماضية بأرواحهم ودمائهم.

من يتابع عن قرب ما يردده السوريون من شتائم تطال حتى من كانوا يرون فيه بعض النزاهة يدرك تماماً اي مكان أوصلتهم إليه غلواء الكذب، وبالأمس وخلال نقاشات ميزانية الوهم لم يكن بمقدور أي مسؤول أن يقدم إجابة واضحة عن مشاريعه المستقبلية في خدمة الناس، وجاءت الأجوبة طوباوبة خطابية لا تملأ خزان مازوت لشتاء يبدو قاسياً، ولا مبررات إصلاح شبكة الكهرباء المتداعية تنير بيت أحد.

وزير أوقاف النظام تمسك بسفينة نجاة الأصدقاء الروس في ترميم الجامع الأموي بحلب، ووضع لها خطة خمسية قادمة، ومجمع (يلبغا) الشهير أحد أهم رموز فساد السلطة تم التمديد له لعامين ضوئيين كما قال أحد المعلقين على وعود الوزير الذي سميت وزارته بالشركة الدينية القابضة.

ربطة الخبز إلى 200 ليرة سورية، والخط الأحمر الذي كان عن حد الـ 15 ليرة، والضمان لاقتصاد صامد لم يعد بإمكان أحد أن يتحدث عن الوقوف خلفه كمؤشر على عافية اقتصاد الوهم.

لا أحد أيضاً يجرؤ على إطلاق مجرد وعد بزيادة رواتب الموظفين الصامدين، وبقيت لقمة الصمود تحت عتبة الـ 100 دولار في أحسن أحوالها، ولكن يبقى الباب موارباً أما السبل الأخرى في زياد الدخل حتى تلك التي تسمى موبقة كأن يرتشي المسكين بـ 50 ليرة ما عادت تهمة بعد تمثيلية وزير الداخلية الأخيرة المفضوحة.

أما الليرة التي حملت الآمال، وشكلت خط الدفاع الأخير عن كل الأوهام السابقة، فلا أحد بقادر على إيقاف سقوطها باتجاه الهاوية، ومنذ أن أطلق المعارض الشرس قدري جميل وعده الأزلي بإعادتها إلى خانة الـ 100 ليرة للدولار لم تعد تهبط دون الـ 400، والأيام الأخيرة شهدت تسارعاً كبيراً في السقوط متزامنة مع الوعود الوهمية بالصمود.

أما عن باقي الملفات المفتوحة حول السياسة والمجتمع المتجانس، هزيمة الإرهاب، والشهادة والشهداء، واللاجئين، والمعتقلين، وجرائم الحرب، والوطن الموزع بين الفصائل والدول الحليفة، والهيئة الدستورية، وأخيراً المعارضة، كل تلك الملفات لم تعد تستطيع إقناع الجوعى بأن يستمروا في التصفيق إلى آخر ذرة تراب في المتر الأخير من سيادة الوهم.

*من كتاب "زمان الوصل"
(179)    هل أعجبتك المقالة (174)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي