أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

إيران والربيع العربي (1)*

أرشيف

لم يكن حلم إعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية مرتبطا بالثورة الإسلامية التي شهدتها إيران ضد حكم الشاه، ولكنه شهد تكثيفا للعمل على تحقيقه منذ العام 1979 وإعلان طهران نيتها تصدير ثورتها ومبادئها خارج حدودها، حيث اصطدم هذا الحلم برفض إقليمي حاد وخاصة من دول الخليج المجاورة، لاسيما وأن طهران اعتمدت نهجا طائفيا كوسيلة لبدء مخططها بالسيطرة الإقليمية معتمدة على الشيعة في دول الخليج والعراق ما جعل من التصدي الخليجي لهذا النهج يتخذ طابعا حادا لدرجة تشجيع عراق صدام حسين بالدخول في حرب ضد إيران ومدته دول الخليج جميعا بكل ما يلزم من الدعم والمال وتوفير السلاح من بعض الدول الغربية.

وجدت إيران ضالة لها في رئيس معزول إقليميا وخائف على حكمه درجة الرعب خاصة مع تعرض هذا الحكم لهزة عنيفة قادها الإخوان المسلمون كادت تودي بحكمه وحكم أسرته. إنه حافظ الأسد الذي وصل إلى الحكم عبر الدبابات ومؤامرات داخلية وتصفيات في صفوف الجيش وحزب البعث الحاكم، وتعرض الأسد لحملة مقاطعة شرسة من الدول العربية والإقليمية بسبب الوحشية التي اتبعها في قمع حركة التمرد التي بلغت ذروتها في مدينة حماة وبات يشعر بأنه معزول وسط بيئة معادية في الداخل وفي المحيط، فكانت إيران بالنسبة له ملاذ وسند يعتمد عليه في حماية حكمه وأيضا في جعل إيران مجالا حيويا يمكنه من المناورة ضد خصومه، كما أعلنت إيران منذ البداية عداءها لإسرائيل ووقوفها على جانب قضية الشعب الفلسطيني.

يميل بعض المحليين إلى اعتبار أن التلاقي بين الأسد وإيران جاء نتيجة للتقارب المذهبي بين العلويين والشيعة وهذه معلومة خاطئة، فلا شيء يجمع بينهما على الصعيد الديني، بل إن أول تبنًّ شيعي للطائفة العلوية جاء في أواخر السبعينيات على لسان الإمام موسى الصدر الذي أعلن أن العلويين جزء من المذهب الشيعي هذا التبني الذي جاء بعد حوالي ألف عام من ظهور الطائفة العلوية ما يعني أن هذا التقارب بين الطرفين جاء وليد الظروف السياسية آنذاك وحاجة كل طرف للأخر فطهران من جانبها وجدت في سوريا قاعدة لإطلاق مشروعها في السيطرة الإقليمية بالتعاون مع رئيس مستعد لتقديم أي شيء مقابل ضمان بقائه في السلطة. ولا يعني ذلك أن حافظ الأسد رضي بلعب دور الدمية عند الإيرانيين، بل استغل حاجة الإيرانيين لحليف عربي في حربهم ضد العراق الدولة العربية الجارة والتي يحكمها حزب البعث القرين الأقرب والوحيد للبعث الحاكم في سوريا، فالأسد استغل محاولات دول الخليج في فسخ عقد العلاقة بين دمشق وطهران وعزف على أوتار رغبة أوروبا أيضا في تحقيق تباعد سوري إيراني مقابل وعود بالسلام مع إسرائيل، إلا أن الأسد كان يدرك أنه لا يمكن الاتكاء على الوعود الخليجية في دعم حكمه في حال تخلى عن إيران، كما أنه لا يستطيع المغامرة بقبول وعود غير مضمونة بالسلام مع إسرائيل، ولكنه استثمر في الأمر لتحقيق بعض الانفراج في علاقاته العربية والغربية.

وعبر سوريا نجحت إيران في الدخول إلى لبنان وبدأت بتأسيس الحركات الشيعية تحت بند المقاومة كحركة أمل ثم عملت ومنذ العام 1980 مع الأسد على تأسيس حزب الله، حيث تم إنجاز المشروع في العام 1985 ومذاك أصبح هذا الحزب الجناح العسكري الأقوى لإيران في المنطقة كما استفادت منه سوريا في كثير من المواقف لتحقيق مكاسب سياسية خاصة. 

تستغل إيران حادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري ليدعم السيطرة الإيرانية على لبنان خاصة مع خروج الجيش السوري من لبنان بعيد حادثة الاغتيال وبدء انحدار الدور السوري هناك مفسحا في المجال أمام الإيرانيين ليصبحوا اللاعب الأقوى والأكثر نفوذا وتأثيرا على الساحة اللبنانية عبر حليها وصنيعتها حزب الله.

قبل ذلك كان حدث بارز ومفصلي تاريخ العرب الحديث قد أعلن بدء سيطرة إيران على ثاني عاصمة عربية ونقصد بها بغداد إذ جاءت حرب الخليج الثانية وحرب تحرير الكويت من القوات العراقية التي غزتها في العام 1990 التي دمرت الجيش العراقي وأرجعت صدام حسين إلى أصغر حجم ممكن ما أعطى مجالا للإيرانيين بتنفس الصعداء، خاصة وأن دخول القوات الأمريكية إلى المنطقة قوض في الوقت ذاته من قدرة الدول الخليجية على توسيع نفوذها أو تثبيته على أقل تقدير ما منح إيران فرصة أخرى للتمدد وبدأ حلمها في بسط نفوذها على العراق يتبلور فاحتضنت ـ بالتعاون مع دمشق- المعارضة العراقية وقدمت لها كل الدعم السياسي والمادي في ذات الوقت، كان حزب الله يحكم قبضته على لبنان ويفتح معارك على الجبهة الإسرائيلية تحت اسم "المقاومة الإسلامية" ما منحه شعبية كبيرة لدى الشعوب العربية المتعطشة لأي نصر على إسرائيل مهما كان هذا الانتصار صغيرا ومحدودا.

كل ذلك يجري فيما الدول العربية تواجه مشاكل داخلية وإقليمية متعددة ومتنوعة، كما أن غزو الكويت من قبل الجيش العراقي فتح ابوابا لانقسامات عربية -عربية وهي المثخنة أصلا بالانقسامات، كما أن معظم الدول العربية تعاني من أزمات اقتصادية داخلية تتجلى في ارتفاع المديونية وازدياد نسب البطالة وانخفاض دخل الفرد، إضافة إلى تناحرها فيما بينها ومحاولة كل دولة في الاستقواء بقوى خارجية ضد الدول الأخرى خاصة بعد انكشاف سهولة استجلاب الأجنبي طالما أن الأموال اللازمة متوفرة، فأصبح الجيش الأميركي أشبه بقاتل مأجور يعمل لمن يدفع ويهدد من لا يدفع، ولكن أساليبه في تحقيق ذلك كانت مازالت تتصف ببعض (الجنتلمانية) الدبلوماسية.

مع غزو الجيش الأميركي للعراق تكون فصول السيطرة الإيرانية على هذا البلد قد اكتملت، فإيران أعدّت العدة لكل شيء ولم تترك أي أمر مهما كان صغيرا للصدفة، وفيما الدول العربية مشغولة بين مؤيد ومعارض للتدخل الاميركي، وأيضا ملهية بتضميد جراحها كانت إيران تتهيأ للانقضاض على بغداد، ثم جاء القرار الأميركي بالخروج من العراق ليعطي الهدية الأكبر لإيران، فكانت بغداد لقمة سائغة يتغنى القادة الإيرانيون بالتهامها والسيطرة عليها.

كان الغزو الأميركي للعراق الاختبار الأول للعلاقة بين طهران ودمشق بعد تسلم بشار الأسد الحكم في سوريا خلفا لأبيه الذي توفي خلال العام 2000، فكيف تعامل الرئيس الجديد مع السيطرة الإيرانية على عاصمة عربية هي الأهم في المنطقة؟؟
يتبع..

*فؤاد حميرة - من كتاب "زمان الوصل"
(191)    هل أعجبتك المقالة (172)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي