كشفت "تغريدة" مختصرة دونها عميل كبير للنظام سبق أن اندس في صفوف الثوار.. كشفت عميلا كبيرا وخطيرا للغاية، كان حتى فترة قريبا داعية ومدافعا شرسا عن تنظيم "الدولة" وخصما للثورة سليط اللسان عليها فاجرا بحقها، إلى ردجة أنه لم يترك وصفا قبيحا إلا ذكرها به.
بدأت القصة قبل ساعات، من تغريدة لـ "عمر رحمون" المشهور بـ"عراب صفقة حلب" التي أفضت إلى تسليم القسم المحرر من المدينة وتهجير سكانه، حيث وضع "رحمون" صورة لشخص يدعى "فراس كيالي" متسائلا: "أي جهاز (أمني) قام بتسوية وضع هذا الداعشي".
ولم يكن وصف "الداعشي" الذي أطلقه "رحمون" على "كيالي" مستغربا إطلاقا، فالأخير لم يخجل طوال سنوات من إظهار ولائه التام لتنظيم "الدولة" وطريقته، ولا تردد في نعت كل من يعادي هذا المنهج أو حتى يقول بضرره البالغ على أهل سوريا.. لم يتردد في نعته بشتى الأوصاف المقذعة والبذيئة.
لكن ما أثار الاستهجان في تغريدة "رحمون" كلامه عن تسوية حظي بها "كيالي" من قبل النظام، وهو ما كان صعب التصديق على أنصار "كيالي" الذين كانوا يتابعون كتاباته المدججة بمفردات مستقاة من قواميس التنظيم مباشرة، وكانوا يبدون إعجابهم البالغ بوقوفه مع "المجاهدين الصادقين" حتى وهو يعيش في وسط أوروبا.
ونسج "كيالي" على منهاج تقديس التنظيم وتشويه صورة كل من عاداه سنوات عديدة، حتى لم يعد لأحد تقريبا شك في اتجاه الرجل و"عقيدته"، ومما زاد في "إعجاب" من يتابعونه وجعلهم ينساقون خلفه بلا وعي، كلامه قبل أشهر عن "مشروع جامع" يخطط لإطلاقه من أجل جمع "الشتات السني" بالتزامن مع عودته إلى من أوروبا نحو تركيا؛ لأجل هذه المهمة.
وقد توقف "كيالي" عن التغريد منذ فترة، واختار في 23 أيلول/سبتمبر الفائت، أن يكتب "تغريدة" نسبها إلى "إدارة" صفحته يقول فيها: "إخواننا الأعزاء نود إعلامكم بأن الأخ الأستاذ فراس كيالي هو بخير إن شاء الله وهو منقطع عن مواقع التواصل الاجتماعي منذ ثلاثة أشهر لأسباب خاصة".
وصدق متابعوه المغرمون به هذه التغريدة، لاسيما أنها جاءت في خضم حديث الرجل عن تحضيره للمشروع "الجامع"، وكلامه أيضا عن متاعب صحية وعمليات جراحية يحتاجها، ومن هنا التمس هؤلاء "العذر" للرجل ولم يعودوا يستفهمون كثيرا عن سبب "غيابه"، وهو الذي كان يتحفهم بشكل متواصل بتغريداته التي تحلل وتنظر، فتبرئ من تشاء وتخون من تشاء، وتكفر من تشاء وتشهد بالإيمان والتقى لمن تشاء.
لكن تغريدة "رحمون" التي تساءل فيها عن الجهاز الأمني الذي أنجز "تسوية وضع" كيالي، جعلت مواقع التواصل وصفحاته، لاسيما تلك التي يغلب عليها مناصرة التنظيم.. جعلتها تموج بالأسئلة عن حقيقة عودة الرجل إلى حضن النظام، ونهاية دوره الذي أداه بإتقان.
وبقيت هذه التساؤلات معلقة بين مصدق ومكذب لما أشار إليه "رحمون"، حتى خرج "كيالي" للناس بتسجيل صوتي، تحدث فيه بنبرة مغايرة تماما، لم يعهدها مناصروه مطلقا من قبل، فأثبت من حيث حاول أن ينفي أنه صار في حكم العائد إلى حضن بشار الأسد ومخابراته، وأن "الدور خلص".
التسجيل الذي استمعت "زمان الوصل" له، وأكدت مصادرها أنه بالفعل مسجل بصوت "كيالي"، نعت الرجل في بدايته "رحمون" بالكاذب، لكنه عاد ليقر بلسانه أنه اتصل مع سفارة النظام (في بلجيكا) وتلقى منها وعودا بإعادته إلى سوريا.
وبلهجة استعلائية اعتاد عليها، قال "كيالي" إنه معارض معروف منذ التسعينات وكاتب ومحام، وحياته ليست متوقفة على ثورة 2011، حسب تعبيره.
ودلف "كيالي" مباشرة إلى تبرير تواصله مع النظام، معتبرا أن من الأفضل له العودة من الغربة حيث وجوده بلا معنى ولا دور، وجهوده تذهب سدى، من أجل المشاركة في التنمية والبناء.
ودون أي مواربة، تابع: "ملفي بالخارجية (خارجية النظام)، ملفي راح على القصر الجمهوري، ما بعرف ملف أمني، بعرف اسمي موجود ضمن إدارة المخابرات العامة.. متعفشة أرزاقي مكاتبي بيوتي سياراتي".
لكن "كيالي" عاد ليقول إنه لم يعد بعد إلى حضن النظام، وإن عودته مرتبطة بمعرفة ماهية الدور الذي يمكن أن يلعبه، معبرا عن اعتقاده بأن تسريب اسمه وقضية "تسوية" وضعه كان من أجل "إحراق" أوراقه في الداخل.
وتحدث "كيالي" عن حاجة النظام لعودة رجال المعارضة في الخارج من أجل هذا النظام نفسه، ومن أجل إكمال بناء النظام السياسي الجديد والمنفتح الذي يطرحه، مشددا على أنه ألغى (سكّر) مشروعه "الجامع"، ملقيا باللوم على من هاجموا هذا المشروع وخذلوه.
وبصراحة ومباشرة أكثر، أعرب "كيالي" عن ثقته ببقاء النظام وزوال الثورة، عندما قال: "النظام ، إن قلنا ايه وان قلنا لا، موجود على راس الكل الآن، غصبا عنا، موجود كسلطة سياسية... ما بقى حدا معترف بالثورة نهائي... أش تعمل بتضل محكوم بالغربة؟!، النظام مو سائل عليك".
وادعى "كيالي" أن صفحته الناطقة باسمه "وقّفت لحالها"، معقبا: "خلص الدور، وكان في عندي نكسة ما بعد إطلاق المشروع، شفت الناس بهل الوعي الدوني، قلت ما بقى أخاطبهم، ما بقى لي مصلحة".
ويصف من يعرف "كيالي" عن قرب أو يقرأ ما يكتب باستمرار.. يعرفه بكونه شخصية متعجرفة وبذيئة اللسان ومتساهلة في إطلاق الأحكام القاسية، وشغوفة من الطراز الأول باقتباس كل مفردات التنظيمات الدموية وجعلها قرينة للجهاد، بل وجعل السلاطة والفجور في الخصومة دليلا على صحة الاتجاه وقوة العقيدة.
كلام "كيالي" في التسجيل الأخير، سبّب صدمة بالغة جدا لمن كانوا "يحسنون" الظن به، ويضعونه في مرتبة متقدمة مع "المجاهدين الصادقين" ويخلعون عليه شتى أوصاف التزكية، وهو الذي يبدي ازدراءه في كل منشور لأي حديث أو حتى تلميح يخص السياسة والديمقراطية والحرية، ويستميت في استخدام أكثر الألفاظ عنفا وطائفية وتحريضا.
ويبدي سوريون خالطوا "كيالي" أو احتكوا معه عن بعد (اتصال صوتي، محادثة كتابية...) يبدون استغرابهم الشديد لنشاط هذا الرجل في الترويج لتنظيم "الدولة" وأفكاره وهو قابع في وسط أوروبا، دون أن يتعرض لأي مضايقات أو ملاحقات رغم انكشاف هويته، فيما يتعرض آخرون للتعقب رغم حرصهم على إخفاء هوياتهم.
ويتهم البعض "كيالي" بأنه مجرد سمسار يجيد لعب التاجر الذي يقيس مدى شطارته بحجم كذبه وتدليسه، مشيرين إلى تاريخ الرجل البعيد نسبيا أيام كان يستغل حاجة الناس للحصول على تأشيرة تنقلهم خارج سوريا بأي ثمن، حيث مارس "كيالي" دوره كأي رجل عصابة نجاحه مرهون بالابتزاز واصطياد الضحايا.
زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية