عندما أحكم الخميني قبضته على إيران تحت مسمى الثورة الإسلامية تحوّل الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع سنّيّ شيعي، هكذا أرادت إسرائيل وأمريكا، أوجدوا خصما بديلا للعرب الذين حملوا، ولو شكليا، راية القدس وشعارات التحرير والعودة.
إسرائيل عندما استشعرت هزيمة الخميني في حربه على العراق بادرت على الفور بمدّه بالسلاح، ومكنّته من استنزاف طاقات الجيش العراقي سنوات طويلة، وعزّزت ذلك بتدمير المفاعل النووي العراقي، لأن غايتها الأولى تدمير قدرات الأقوياء غير المطوَّعين في المنطقة، وإشغال الجميع لتبقى هانئة لا يعكر صفوها مغامر هنا أو هناك.
هذا النسق لا يزال منهجا للغرب في المنطقة لتداخل مصالحه مع إسرائيل، حيث موارد الطاقة وضرورة التواجد العسكري اتقاء للشر قبل وقوعه، ولإدارة الألعاب الإرهابية عن قرب، وهذا يدفع لتأكيد فكرة قد لا تروق للبعض غير أنها الأكثر منطقية بعيدا عن الميول والتحليل، وهي أن ما تقوم به الإدارة الأمريكية الجمهورية مع ترامب، وما قامت به من قبلها الديموقراطية مع أوباما كان هدفها الأول حماية نظام الملالي في طهران، كيف ذلك؟
أوباما كان يريد إنهاء حكمه بانتصار يسجل له، فبادر لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، وهو ما سمح بالإفراج عن مئات مليارات الدولارات، التي كانت إيران بحاجة ماسة إليها لتمويل ميليشياتها المقاتلة في العراق وسورية واليمن، وكذلك استمرار تدفق الأموال لعمليات التشييع في بلدان شرق المتوسط وإفريقيا.
إضافة لما سبق فإن أوباما أدرك عرش الملالي قبل سقوطه على أيدي متظاهري إيران والهزائم التي بدأت تلحق بميليشياتها العابرة للحدود، لذلك ضرب بالاتفاق النووي عصفورين بحجر واحد، بإعادة الرشاقة المالية والعسكرية للقيادة الإيرانية داخليا وخارجيا.
وكأنه لم يرَ ذلك كافيا لنجدة الملالي فمدّهم بأسباب نصر أخرى عندما سمح للروس بتقديم الدعم الجوّي لميليشياتها في سوريا، كما قتّر بدعم التحالف السعودي الإماراتي في حربه على الحوثيين في اليمن، وكان ذلك كفيلا بحفظ سير المعارك السنيّة الشيعية.
أما المستثمر الدولي ترامب فقد أراد جباية أموال إضافية للخزينة الأمريكية، عبر الدفع بإيران لطلب شراء العفو عن عقوباتها النفطية، حيث ألغى الاتفاق النووي وفرض عقوبات قيل إنها الأقسى على إيران، وترك الباب مواربا للمساومة على سعر العفو عبر الأوربيين الهزيلين.
يدرك ترامب أن العقوبات التي فرضها لن تؤثر على السلطة في إيران التي يريد لها البقاء لقيادة معركة الشيعة على السنّة في المنطقة، فهي كما سلف تحقق أهدافا بالجملة للغرب وإسرائيل، ومن المرجح أن يتخلى عنها بسعر بخس إن هو شعر بأنها ستكون سببا في تغيير السلطة وبالتالي المعادلة في الشرق الأوسط.
إلى غير رجعة، انتهت أسطورة الصراع العربي الإسرائيلي والشواهد على ذلك كثيرة، لكن ذلك يستوجب إلهاء من تبقى من المأخوذين بفكر التحرير والعروبة والقدس بمعارك تأخذهم إلى حيث ينسون مراهقتهم السياسية، ويتعلمون السير الأعمى حيث يريد السيد الكبير.
بحسبة بسيطة، استخلص اقتصاديون أن بإمكان إيران أن تصدّر بعد العقوبات الأمريكية التي فرضها ترامب ودخلت حيز التطبيق قبل أيام ما يقارب 3 ملايين برميل من النفط يوميا إلى الدول المستثناة مؤقتا من استيراده، ولن تحتاج إيران أكثر من ربع العائدات التي ستدار دوليا من أجل الدواء والغذاء، أما بقية الأموال ستكون في الحفظ والصون لضخها للملالي عند استشعار خطر السقوط.
إن في هذه المسرحية الهزلية محاولة لإقناع سنّة الشرق الأوسط بأن أمريكا لا تدعم الطرف الذي يغذي الإرهاب ويعاديهم كأغلبية، إضافة إلى أنها براءة اختراع تستخدم من أجل المزيد والمزيد من الأموال الخليجية عموما والسعودية خصوصا، ألم يحاول ابن سلمان شراء الموقف الأمريكي، ها هو يأخذ مقابل ما دفع ويدفع.
وبالعودة إلى موقف إسرائيل، فمن الجلي أنها سعيدة للغاية، ورغم ذلك لديها أهداف أخرى تعمل على تحقيقها دون مساعدة، حيث يستهدف طيرانها أي سلاح فعّال تحاول إيران نشره في سوريا، رغم إدراكها أنها غير مستهدفة به وأن غايته الانتشار بالقوة من خلال زرع المزيد من الرعب للمحيط ما عدا الإسرائيلي.
*عبد السلام حاج بكري - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية