أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ثورة الـ (50) ليرة.. وسوريا التي كانت بخير*

أرشيف

قامت الدنيا ولم تقعد حتى اللحظة تعاطفاً ونصرة للموظف المسكين رياض بطل الذي أهانه وزير الداخلية محمد الشعار لأنه تقاضى (50) ليرة رشوة أو زياد على طلبات "الإخوة المواطنين"، والتي أثارت حمية الوزير ليأمر بزجه في السجن ومحاكمته، ومن ثم تخلي المحكمة سبيله، وأن لا أسباب موجبة لإيقافه.

الخمسون ليرة أيضاً كان لها حصة (الأسد) في الأسبوع المنصرم بعد قرار اعتماد إحالتها للتقاعد وتعويضها بخمسين ليرة معدنية، وهذا أيضاً أثار محللي واقتصاديي النظام عن مؤشر التضخم، وتباكى عليها المعنيون كما لو أنها قتلت في معاركهم ضد الإرهاب.

البعض ممن بقي له من حكمة وعقل في ثورة الخمسين هذه اختصر قصة فساد الكبار الذين يحاربون فساد الصغار على أنه سبب انهيار سورية الجميلة التي كانت قبل 2011 وثورة (الرعاع) كما يسمونها، وإجهازها على بلد كان مكتفياً ذاتياً، وخالي الذمة من الديون، وهذا ما يتم ترديده دائماً عما كنا عليه قبل 2011، وأننا هدمنا بلادنا بأيدينا، وأننا كنا (عايشين) بنعمة وهناء، لكننا أردناها خراباً وهذا ما حصل بأيدينا.

نعم كانت سوريا بخير، عندما كان النظام على وفاق مع الأتراك ويرى في تجربتهم أنموذجاً اقتصادياً ناجحاً جلب إلينا خبراتهم في صناعة البسكويت، حيث لم يبق مكان حينها لقطعة بسكويت محلية على رفوف المحلات.

أيضاً جلب لنا تجار النظام المفروشات التركية التي تركت أصحاب الورش والمعارض في سقبا وحمورية وداريا بلا عمل بعد أن كانوا يفرشون بيوت السوريين بغرف النوم والخزن والصالونات الجميلة.

أيضاً لم يوفر هؤلاء التجار أصحاب ورش الخياطة الصغيرة التي كانت تعتاش منها آلاف الأسر السورية بعد أن بدؤوا باستيراد الألبسة الصينية الرخيصة والخيط التركي، وهكذا أحيل عشرات الآلاف من العمال المياومين إلى التقاعد.

ثم كان لا بد من تهجير سكان المناطق الشمالية والشرقية الذين كانوا يعيشون على زراعة القطن وأصدرت القرارات الاقتصادية الهامة التي منعت زراعته فحمل أكثر من 700 ألف سوري أطفالهم وخيامهم، واستوطنوا ريف دمشق ودرعا والقنيطرة ليشكلوا حزام فقر جديد حول العاصمة ومدن الجنوب التي حظيت بقرار مشابه أيضاً حرصاً على الثروة المائية فيما سيارات التجار وكبار المسؤولين تغسل بمياه عين الفيجة وبردى المسكين.

لم يتغير اللصوص الذين سرقوا سوريا الجميلة التي كانت، وكذلك لم تتغير الضحية، وما زالت نفس الأصابع القذرة تشير إلى نفس الوجوه المتعبة المتهمة بأنها سبب المأساة وأساس المصيبة فيما القاتل والمجرم واللص يطلق الأحكام ويقاضي العاجزين.

الخمسون ليرة المجرمة والمهترئة مؤشر اقتصاد الذل والتضخم وسوريا المحطمة، وهي في الوقت نفسه دليل الفساد الكبير الذي يحاكم الصغار على أنهم القتلة والمخربون...وأما الدم والموت فتلك حكاية أخرى.

*عبد الرزاق دياب - من كتاب "زمان الوصل"
(223)    هل أعجبتك المقالة (239)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي