أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أمثلة عن الديمقراطية الأمريكية.. فؤاد حميرة*

حين يتعلق الأمر بعلاقات الرئيس الشخصية فإن الديمقراطية الأميركية تستيقظ من ثباتها وتعلن عن نفسها كحامية لمبادئ الليبرالية والحريات في العالم، أما حين يكون للموضوع صلة يقتل شعوب وغزو دول واتضاح شلة من الأكاذيب والاستخدام الموجه للمعلومات الاستخباراتية فإن ديمقراطية الأميركيين تدخل مرحلة الثبات الشتوي من جديد.

نضرب هنا مثالين على ذلك على أن الأمثلة على مثل هذه الديمقراطية المختارة بعناية شديدة أكثر من أن يتسع لها مقال في جريدة.

الكثير منا مازال يتذكر قصة العلاقة الجنسية التي جمعت بين الرئيس الأميريكي الأسبق بيل كلينتون وبين سكرتيرته مونيكا لوينسكي يومها تم توجيه الاتهام للرئيس كلينتون بأنه حلف يمينا كاذبا ونذكر جيدا كيف كانت محاكمته مثار إعجاب دول العالم، حيث أصبحت تلك المحاكمات مثالا على الديمقراطية في العالم وتناقلت وكالات الأنباء ومحطات التلفزة وقائع تلك المحاكمة على أنها النصر الأكبر للديمقراطية الأميركية الأنموذج العالمي للحريات على وجه الأرض.

لم يكن لقضية لوينسكي أية تداعيات سلبية على الاقتصاد الأميريكي أو على أرباح أصحاب المال الأمريكيين، فلذلك كان من السهل تناولها والخوض بتفاصيلها ودراسة وتحليل أسبابها وما إلى ذلك من موجة إعلامية هزت شعوب العالم وصارت مثار الأحاديث الخاصة والعامة ومجالا للخوض في غمار الديمقراطيات التي يجب اتباعها وصارت قضية لوينسكي رمزا للحريات، لمَ لا طالما أن الموضوع برمته لا يحمل مسؤوليات من أي نوع بل إنه قصة مسلية للشعب الأميريكي وكذلك نموذج عن الحلم الأميركي الذي تتم الدعاية له ليلا ونهارا ويصرف عليه الكثير من الأموال لترسيخه كأنموذج للعيش.

في المقابل ومع دخول جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض كرئيس للولايات المتحدة جرت أكبر عملية كذب في القرن العشرين نقصد بها كذبة أسلحة الدمار الشامل وعلاقة العراق بتنظيم القاعدة والغريب أن الكذب لم يكن حكرا على الرئيس بوش وحده بل على جميع أفراد طاقم حكمه من نائبه ديك تشيني إلى وزير دفاعه رامسفيلد إلى وزير خارجيته كولن باول مرورا برئيس الاستخبارات المركزية (سي آي أيه) جورج تينت وصولا إلى مستشارة الأمن القومي ووزيرة الخارجية فيما بعد كونداليزا رايس كلهم كذبوا ليس على الشعب الأميركي فقط، وإنما على شعوب العالم أجمع، وبعلم العالم أجمع، فالكل كان يعرف أن إدارة بوش الابن تكذب.

لقد تسببت الحرب الأميركية على العراق بمقتل مئات الآلاف من العراقيين الأبرياء وتدمير العراق وتفتيت شعبه غير أن الخسائر لم تنحسر في الجانب العراقي، حيث أنفقت الولايات المتحدة مئات مليارات الدولارات على غزو العراق إلى درجة وصول الاقتصاد الأمريكي إلى حافة الانهيار خاصة مع صدمة العقارات الشهيرة التي أحدثت هزة عالمية كان لها تبعاتها الكارثية على الكثير من الاقتصادات الحكومية والخاصة، ويرى كثير من المحللين أن هذه الأزمة ما كانت لتحدث لولا الانفاق الهائل على الغزو الأميركي للعراق، ومع ذلك وإلى الآن لم يتعرض أي من فريق الكذب الأميركي للمحاكمة أو حتى للمساءلة وذلك على الرغم من النتائج الكارثية للحرب على جميع الأطراف بما فيها الطرف الأميركي الذي خسر قرابة خمسة آلاف جندي، ناهيك عن خسارة الاقتصاد الأمريكي لمئات مليارات الدولارات، بل إن المجتمع الأمريكي يحاول نسيان تلك الحقبة وطي صفحتها من ذاكرته لما تسببت به من آلام وجراح وفقدان لثقة الناخب الأميركي بقيادته، برغم كل هذا لم يقل أحد بوجوب محاسبة الرئيس جورج بوش أو محاسبة أي من أعضاء إدارته الضالعين في الكذب.

نضيف إلى ذلك أن الديمقراطية الأمريكية التي يدعي البعض أن واشنطن ثبتتها في العراق كان لها نتائج كارثية على العراقيين ودول الجوار، إذ كان من نتائج تلك الديمقراطية تسليم العراق لإيران وجعله منطقة نفوذ إيرانية هامة في المنطقة وكذلك الحال بالنسبة للديمقراطية في لبنان التي جعلت من حزب الله المتحكم الأكبر بدفة السياسة هناك وكله بالديمقراطية المدعومة أمريكيا.

الديمقراطية الأميركية لم تمنع الأمريكيين في العام 1973 من التدخل في تشيلي ودعم الديكتاتور أوجستينو بينوشيه في انقلابه العسكري على الرئيس سلفادور الليندي الذي وصل للرئاسة عبر انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة واستمرت واشنطن في دعم مجازر بينوشيه ضد شعبه والتغطية عليها وتبريرها أحيانا حتى انكشافها في ثورة شعبية أطاحت بحكمه كما أن هذه الديمقراطية ذاتها لم تمنع جنرالات الجيش الأميركي من التدخل في كولومبيا للقضاء على كبار مزارعي ومهربي المخدرات واستبدالهم بمهربين وملاك أراض جدد لتقاسم الأرباح معهم.

الديمقراطية الأمريكية مازالت إلى الآن تقول بأنها لا تريد تغيير النظام في إيران بل تغيير سلوكه بالرغم من الدور المخرب الذي يلعبه حكم الملالي في المنطقة، وكذلك لا ترغب واشنطن في إسقاط نظام الديكتاتور بشار الأسد رغم البشاعات التي ارتكبها نظام حكمه بحق السوريين تارة بحجة عدم توفر البديل عن نظام بشار الأسد لحكم سوريا المستقبل وتارة بحجة أنهم يريدون تغيير سلوكه فقط لا إسقاطه.

وذات الديمقراطية تحاول التغطية على جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باستانبول وتبرئة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من الجريمة رغم ثبوت ضلوعه في التخطيط وإصدار الأوامر لمن يلزم بتنفيذها مقابل المصلحة الأمريكية بمعنى أن الديمقراطية على النمط الأمريكي يمكن شراؤها بالنفط أو بالمال النفطي أو بأية مصلحة خاصة والحريات في هذه الحالة تتحول إلى سلعة في سوق العرض والطلب.

*من كتاب "زمان الوصل"
(216)    هل أعجبتك المقالة (226)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي