ملاحظات حول عودة اللاجئين*

نيران طيران الأسد في ذاكرة كل سوري - ارشيف

يحاول النظام استمالة اللاجئين السوريين واستعادتهم إلى البلاد، وأنا شخصيا لا أصدقه ولا أرى أن محاولاته حقيقية وجادة لأسباب سوف نسردها لاحقا، ولكن المستغرب هو الموقف الساذج الذي اتخذته المعارضة والذي تدعو من خلاله اللاجئين لعدم العودة وأيضا تحت مسميات لا أميل للاقتناع بها، بل على العكس هذا الموقف الرافض لعودة اللاجئين وشعارات التمسك باللجوء دليلان مهمان على الخفة التي تتعاطى فيها المعارضة مع قضايا الثورة ومنها قضية اللاجئين.

فهذه النداءات التي تحض على التمسك باللجوء لا تمثل إلا سياسة النظام ورغباته وتأتي تنفيذا يكاد يكون حرفيا لمخططات النظام، فما يجري في العلن لا يعدو عن كونه ذرا للرماد في العيون بينما الحقيقة تكمن في مخابئ سياسية اعتاد النظام على تصنيعها، إنها الفخاخ التي ينصبها النظام للمعارضة وتقع فيها هذه المعارضة في كل مرة لأنها بلا ذاكرة وبلا منطق يحكم آلية عملها ودون برامج محددة وإنما هي تخضع لإملاءات الممول ومصالحه.

يتوزع اللاجئون السوريون في بقاع العالم، فمنهم مليون نصف المليون في الأردن ومثل هذا الرقم في لبنان، إضافة إلى مليوني لاجئ في تركيا ونصف مليون لاجئ في مصر ومثلهم في دول عربية أخرى منها دول الخليج والعراق والسودان مع مليوني لاجئ في الدول الأوربية والولايات المتحدة وكندا وهكذا يصبح العدد وفي أدنى التوقعات ثمانية ملايين لاجئ يضاف إليهم نصف مليون شهيد ونصف مليون مجهول مصير ومائتي ألف معتقل إذا نحن هنا نقارب المليون مبعد عن الوطن في غالبيتهم العظمى من المعارضين وإن أردنا التحدث طائفيا (وهنا مربط الفرس بالسنبة للنظام) فإن ما نسبته فوق الـ 99 بالمائة من الطائفة السنية التي كانت قبل الثورة تشكل الغالبية الساحقة في البلاد، ولكن الآن تغير الوضع فبعد خروج نحو 9 مليون سني خارج سوريا يصبح التوزيع الديمغرافي لصالح الأقليات وفي مقدمتهم الطائفة العلوية التي باتت تشكل الأكثرية فرقم 9 مليون من أصل 23 مليون وهو عدد سكان سوريا قبل الثورة يعني أن أكثر من نصف الطائفة السنية بات خارج البلاد لأن 23 مليون ناقص 6 مليون من الأقليات يبقى الحاصل 17 مليون فإذا طرحنا من هذا الرقم الأخير عدد اللاجئين والمخفيين والمعتقلين أي الـ 9 مليون على أقل تقدير يبقى الحاصل 8 مليون وهو عدد السنة المتبقي في سوريا، فإذا طرحنا منهم 3 مليون كردي كأقلية عرقية يبقى 5 مليون سني ناهيك عن حساب باقي الأقليات العرقية التي ليس بينها وبين العرب خلافات عقائدية وإيديولوجية وقومية وبذلك تصبح الأقليات هي الأكثرية بعد أن كانت الغالبية الساحقة من السنة، وهذا ما يريده النظام بالضبط الذي يدعي حماية الأقليات والأسوأ من ذلك أن الأقليات تصدقه وتدعمه ما يعني أن ما تبقى في البلاد هم من المؤيدين في غالبيتهم الساحقة.

قد يظن البعض أني أنفخ في نار الطائفية، ولكن معاذ الله أن يكون هدفي طائفيا وإنما فقط أردت أن أشير إلى أن معظم الحكومات والأنظمة تفكر بالطريقة الطائفية وإليكم الأدلة:

يطالب المسيحيون والشيعة في لبنان بسرعة عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم لأن وجودهم ومن ثم تجنيسهم مع مرور الوقت من شأنه أن يتسبب في تغيير ديمغرافي كبير في التركيبة الاجتماعية اللبنانية ما سيكون له انعكاساته على التركيبة السياسية القائمة أساسا على المحاصصة الطائفية، لذلك نجد قيادات السنة في لبنان تطالب ببقائهم وتحث قيادات المعارضة السورية على دعم توجهها فتعلو أصوات معارضينا (بوعي أم بدونه) تطالب السوريين بعدم العودة، وهنا تكمن الطامة الكبرى وتطفو على السطح التفاهة السياسية التي يرزح تحتها السوريون سواء في المعارضة أم في النظام. مع وجود مليون ونصف المليون سني ستصبح الطائفة السنية في لبنان هي الغالبية الساحقة أي تراجع النفوذ السياسي والاجتماعي لباقي الطوائف ومن هنا ينشب الخلاف بين النظام وحزب لله والقيادة المسيحية، فالنظام في حقيقة الأمر لا يريد عودتهم، وهذا ما تدركه القيادة الشيعية والمسيحية ولذلك فإنها تضغط على النظام لإعطائهم الضمانات اللازمة لطمأنتهم على أرواحهم وممتلكاتهم والجميع يلاحظ الاهتمام الإعلامي الكبير بعودة أجزاء من لاجئي لبنان دونا عن غيرهم.

ويختلف الوضع في الأردن ذلك أن القيادة الأردنية تحتاج للمليون ونصف مليون لاجئ سوري على أراضيها ولا تصدقوا الرسائل الإعلامية حول تحمل الأردن أعباء اللجوء السوري إليه، فالأمر عكس ذلك تماما إذ إن الملك عبد الثاني في أمسّ الحاجة إلى هذا العدد من السوريين لإحداث توازن في المجتمع الأردني بين الفلسطينيين الذين يضيقون الخناق على حكمه يوما بعد يوم وبين الأردنيين الأقلية أساسا وسوف يقطع الطريق على المعارضة بحلتها الجديدة والتي تتفق مع قيادات إسرائيلية على تنفيذ مقولة إن الأردن وطن بديل للفلسطينيين بعد التخلص من حكم الأسرة الهاشمية، ومن هنا فإن بقاء اللاجئين السوريين ضرورة ملحة للنظام في الأردن.

ما يختص بتركيا فإن الأمر أيضا لا يخرج عن هذا السياق فالمجتمع التركي مقسم بدقة على ثلاثة أثلاث ثلث منها للسنة الأتراك وثلث آخر للسنة الأكراد (رغم وجود غالبة من العلويين في تركيبتهم الدينية) وثلث للعلويين الذين يتوزعن بين علويين أكراد وعلويين أتراك أو ما يسمونهم (علويو الأناضول).

هذه التركيبة المتوازنة والمتعادلة تشبه غلى حد كبير نتيجة التعادل في كرة القدم خاصة إذا كان كلا من الفريقين في ذات المستوى التكتيكي والبدني فهي نتيجة خطرة وغير محسوبة النتائج ولذلك فإن القيادة التركية تعمل بجد على تجنيس السوريين لديها.

أما لاجئو أوروبا فلن يعود القسم الأكبر منهم خاصة من وجد منهم عملا أو قبولا في الجامعات أولئك الذين تذوقوا نكهة الحياة والكرامة لا يفرون في العودة إلى وطن لم يعيشوا فيه غير القهر والحاجة.

دفع العميد "عصام زهر الدين" ثمن خروجه عن النص حين أسرّ للعلن بما لا يجب قوله ونطق الحقيقة المخبأة والمتفق عليها بين القيادات العليا للنظام، فحين قال إنه ينصح اللاجئين بعدم العودة لم يكن ينطق إلا بما يخطط له النظام بمعنى أن النظام لا يريد عودتهم وحين أدلى بهذه الحقيقة كان الثمن حياته، فالمقصود هو الإعلان عن الرغبة بعودة اللاجئين فيما يجري العمل سرا على منع حدوث ذلك.

ثم تأتي أصوات المعارضة لتنضم إلى جوقة النظام في تناغم غريب ومريب مع أهداف النظام المغطاة بشعارات وطنية.

النظام لا يريد عودة اللاجئين ولكن برأيي الشخصي العودة في هذه الظروف ثورة بحد ذاتها تضرب اساسات النظام ومن يطلب من الناس البقاء في المخيمات عليه أن يقدم لهم العون وألا يستغل قضية اللاجئين ليتسول عليها ويجب أن نعلم أن معظم اللاجئين غير مطلوبين للنظام، ولا أدعو هنا لعودة المطلوبين وإنما عودة ابناء المخيمات والفقر والجوع والحاجة.

*من كتاب "زمان الوصل"
(172)    هل أعجبتك المقالة (183)

السوري

2018-11-03

مقال ممتاز، اما عدد اللاجئين السوريين في تركيا فهو ٥ ملايين وانت ذكرت فقط ٢ مليون ، وبالإضافة لما ذكر فان اللاجئين وخاصة الشبان هم مكسب لالمانيا والسويد نظرا لا شريحة الكبار في السن تزداد وبالتالي بحاجة ليد عاملة.


أحمد

2018-11-03

سلمت يمناك أستاذ فؤاد..


مواطن

2018-11-03

عاد البعض من لبنان و قتل في أقلية المخابرات ... مقال غير موفق و كلام نظري لا يمت للواقع... هل نسيتم أن من قتل مليون شخص لن يتوانى في قتل مليون آخر... كيف تقولون للناس ارجعوا و ثورة و لل اعرف ماذا؟؟؟ هل أمسى الانتحار ثورة؟؟؟؟ شيء غريب!!!! أو مخطط!!!!.


التعليقات (3)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي