عاش كثير من الحلبيين القابعين تحت سلطة النظام أياما وليالي عصيبة خلال الأسبوع المنصرم، بينما كانت تترد على مسامعهم قصص متوالية عن استدراج ومحاولات اغتصاب وقتل أطفال في مناطق مختلفة من المدينة، التي عادت كليا إلى سيطرة النظام وسلطة مخابراته في مثل هذه الأيام تقريبا، قبل عامين.
وتصاعدت معاناة أهالي وسكان مدينة حلب من خطف وقتل واغتصاب الأطفال أكثر خلال الفترة الأخيرة، حيث وقعت عدة حوادث أثارت ما يمكن اعتباره رعبا جماعيا، وكان ختامها حادثتي اختفاء وقتل الطفل "محمد سام عدلة"، ومحاولة قتل واغتصاب الطفل "هيثم حمامي" قبل 3 أيام تقريبا.
وقد تسابق إعلاميو النظام في حلب على إظهار اهتمام "الدولة" بضبط الأمن وتوفير الأمان للأهالي وأطفالهم، بعدما باتت كثير من العائلات تمتنع عن إخراج أولادها إلى الشارع، بل إن بعضهم بات يفكر جديا بعدم إرسالهم إلى المدارس.
وانبرى هؤلاء الإعلاميون للحديث باستفاضة عن "جهود الجهات المختصة" و"سهرها" على راحة المواطنين، والتي انتهت بالقبض قبل ساعات على "أحمد مزنرة"، الذي تم تعميم صورته واسمه بوصفه "سفاح حلب" والمتورط الرئيس في قتل وخطف الطفل "عدلة" في حي سيف الدولة، ومحاولة اغتصاب وقتل الطفل "حمامي" في منطقة تعرف باسم "نزلة الحريري".
قصة الطفلين "عدلة" و"حمامي" لم تكن استثناء، فقد سبق هاتين الواقعتين، وقائع أخرى مشابهة تردد معلومات حول إنها بلغت 10 جرائم من هذا النوع خلال أسبوع واحد، ولكنها بقيت كلها مقيدة ضد مجهول، رغم أن أصابع معظم الأهالي كانت تشير إلى جهة واحدة.. مرتزقة النظام وعناصر مليشياته، الذين تم تسليحهم وتمويلهم وتسليطهم على أرواح وأموال السوريين بأوامر صريحة ومباشرة من بشار الأسد.
*بين سجله وصيته
في صباح اليوم الأربعاء سارع بعض أشهر إعلاميي النظام، ممن سبق لهم التفاخر بجرائمه (منهم شادي حلوة، وكنانة علوش صاحبة سيلفي الجثث).. سارعوا إلى توثيق لحظات القبض على "أحمد مزنرة" قاتل ومغتصب الأطفال كما وصفوه، وبثوا مقاطع مباشرة توثق لحظة وجود السفاح على نقالة طبية داخل مشفى الجامعة (حيث يعالج ضحيته حماني للمفارقة)، وهناك أكثر من شخص من الطاقم الطبي يعاينونه ويفحصونه في عدة مواضع (القلب، الرأس..) وهو مسترخ مطمئن، فضلا عن عناصر المخابرات الجوية الذين أحاطوا به من كل جانب دون أن يوجه أحدهم إليه أي إساءة جسدية أو لفظية.
وسبق لهؤلاء الإعلاميين الموالين أن نشروا صورة "مزنرة"، ومعلومات تقول إنه من مواليد1971 إدلب، مطالبين أي شخص يصادفه بسرعة الإبلاغ عنه، لشدة خطورته على أمن المجتمع.
ولكن النظام وإعلامييه، الذين قدموا أنفسهم اليوم بصورة الأبطال الخيرين الذين يحمون السوريين من الأشرار.. أسقطوا عمدا أو سهوا نقاطا مهمة من تاريخ "مزنرة"، من شأن الإعلان عنها أن يكشف بكل وضوح أن النظام هو الذي أطلق كل هؤلاء المجرمين من قماقمه، ليعيثوا في الأرض خرابا تحت رعايته وبناء على توجيهاته، وهو نفسه الذي انقض على أحدهم اليوم فجأة، ليظهر –أي هذا النظام- في ثوب "مخلص" الناس، كما جرت عادته.
ولإكمال الصورة ووضع أهالي كل ضحية لهذا المجرم وأمثاله أمام الحقائق الدامغة، كان لابد لـ"زمان الوصل" أن تتحرى عن تاريخ "مزنرة" وهل هو شخص مجهول أم معروف بسوابقه الإجرامية لدى النظام، وهل هو أيضا عنصر "نظامي" في جيش النظام ومليشياته، أم إنه مجرد شخص "تعدى" على البدلة العسكرية و"نجّسها"، كما حاجج بعض الموالين عندما بهتتهم صوره بالزي العسكري.
أول المعلومات بشأن "مزنرة" مبنية على الأرشيف الجنائي الصادر عن النظام، والذي لدينا قدرة على الوصول إليه، وهي تفيد أن "أحمد مزنرة" ابن مصطفى وفاطمة مواليد 1971، متورط بجرم "سرقة منازل بمفتاح مطابق وسلب ونشل"، وفق محضر صادر عن "قسم باب الفرج" بحلب، بتاريخ 25 شباط 2007، كما إنه مطلوب لقيادة شرطة حلب و"بشكل خاص" لتورطه بـ"جرم مخدرات"، وفق كتاب صادر في 6 تشرين الثاني 2010، وهو الجرم الذي شاركه فيه أخ أصغر منه، كما توضح مذكرة صادرة عن نفس الجهة وبنفس الجرم، بتاريخ 12 تشرين الثاني 2010.
أما مصادرنا فتقول إن الرجل منخرط بأكثر مما هو مذكور في السجلات الرسمية، ومنها الاشتباه بتورطه في جريمة قتل صاحب مقهى عام 2000، وتورطه العلني في تعاطي الحشيش وملاحقة الأطفال والتحرش بهم، بل مهاجمته عدة مرات لدوريات الأمن الجنائي التي كانت تخرج لـ"القبض عليه"، حتى قبل حادثتي الطفلين "عدلة" و"حمامي".
ولم يكن "مزنرة" الملقب "أبو صطيف" وحده في ميدان مقارعة الأمن الجنائي، بل كان له أعوان من شلة "الشبيحة" الذين دججهم النظام بالقنابل والرصاص بدعوى "حماية الوطن ومحاربة الإرهاب"، وكل هؤلاء على علم كامل بـ"صيت" الرجل الذي يسبقه، فيما يخص تعاطي المخدرات والميول الشاذة.
*الشاهد!
أما انتماؤه لـ"الجيش العربي السوري" فهو يقيني بدرجة قطعية، ومرده ليس فقط شهادات حصلت عليها "زمان الوصل" تؤكد أن الرجل كان يخدم في عدة مليشيات تابعة للنظام، ويشاركها انتهاكاتها المختلفة، ولا حتى أقوال من رأوا "مزنرة" أكثر من مرة وهو يقف إحدى الحواجز الرسمية في حلب مرتديا بدلته العسكرية... بل هو هنا تقرير مصور بثته وكالة إعلام النظام (سانا) في مثل هذه الأيام من العام الفائت، وكان عنوانه العريض "الجيش يضبط أسلحة ومواد كيميائية ومعمل لتصنيع العبوات لتنظيم داعش في مدينة دير الزور".
وللمفارقة، فإن هذا التقرير الذي يفترض أنه حساس للغاية كونه يتحدث عن "الكيماوي" و"داعش" في آن معا.. كان المتحدث الرئيس والوحيد فيه هو ... "أحمد مزنرة" بشحمه ولحمه، وبطريقة حديثه التي يعرفها عنها أقرانه من المرتزقة، عندما يكون قد تعاطى جرعته من الحشيش أو الحبوب المخدرة.
وفي هذا التقرير المصور، يقف "مزنرة" أمام مراسل "سانا" وخلف ميكرفونها، ليقول: "عمليات الجيش قامت بتمشيط المكان، وبأثناء عمليات تبع الجيش كشفنا معمل لتصنيع وتلغيم العبوات الناسفة، وأثناء التمشيط قمنا بتفكيك ألغام، وضبطنا معمل وضبطنا مفخخات، أكثر من مفخختين كلها جاهزة ومعدة للتفجير".
وأخيرا، فإن لمن يقرأ تقريرنا هذا ويشاهد تقرير "سانا" المصور، ويدقق في صورتي "سفاح حلب" والشاهد الوحيد على "كيماوي داعش".. له أن يتخيل شكل وجوهر نظام: حماته من المجرمين، وشهوده على الكيماوي من الحشاشين، وتقاريره الإعلامية التي يصدرها للعالم كحقائق لا تعدو سوى فبركات مضحكة لمن يعرف طريقة ومقادير "طبخها"، بينما منتهى "بطولات" هذا النظام القبض على أشخاص هو من رباهم وسمنهم ورعاهم، ثم أطلقهم على السوريين لينشهوا ما لم تنهشه أجهزة قمعه ومخابراته الرسمية.
إيثار عبدالحق- زمان الوصل-خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية