تُعتبرُ مدينة (أورشليم) أي القدس حسب الأسفار اليهودية مدينة الرَّب الخالصة، ولذا فإنه ينبغي ألّا يسكنها سوى أتباع الرَّب الذين يقع على عاتقهم تنفيذ هذه الإرادة، وإبعاد كل غير يهوديٍّ عنها، كي تحيا بسلام.
انطلاقاً من هذه المقولة التي هي صياغة صهيونية بحتة، عمل الصهاينة منذ احتلالهم فلسطين، وتأسيس دولتهم الدّخيلة على تهويد القدس، وكان عليهم حتى يتسنّى لهم تحقيق هذا الهدف إخراج كلّ غير يهوديٍّ منها.
وبالتوازي مع عمل آلة الحرب الصهيونية التي ارتكبت المجازر بقصد ترويع سكان فلسطين عامةً، والقدس خاصة، لإجبارهم على مغادرة بيوتهم، فقد أنشأت "إسرائيل" ترسانةً قانونيةً، تتشكّل من مجموعة من القوانين العنصرية التي تصبُّ في هذا الهدف.
وبما أنّ الديمقراطية تعني حكم الأغلبية، فقد كانت تُمرّرُ القوانين تلك بأغلبية أصوات أعضاء الكنيست الإسرائيلي اليهود متغلبينَ على الأقلية العربية من أعضاء الكنيست.
وفي هذا الصّدد أستعرضُ أبرز تلك القوانين العنصرية الجائرة التي تهدف في النهاية إلى إخلاء القدس من سكانها الأصليين:
أولاً - قانون تقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً
ويهدف هذا القانون الجائر إلى فرض السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى من خلال تغيير الوضع الراهن للمسجد عبر السماح لليهود بالصلاة فيه، وتخصيص مكان ومواعيد محددة لأداء صلواتهم وشعائرهم الدينية فيه.
إنّ هذا القانون باطل لمخالفته المسلّمات التاريخية، وكما أنه مخالف للواقع بحسبانِ أن مدينة القدس، مدينةٌ محتلةٌ، وبالتالي فلا يمكن لإسرائيل أن تغير من الوضع القانوني لها بموجب التقسيم.
علاوةً على أنّ هذا القانون يشكل انتهاكاً لمعاهدة لاهاي عام 1907، ومعاهدة جنيف عام 1949 اللتين تكفلان حماية الأماكن الثقافية وأماكن العبادة في زمن الحرب والاحتلال الأجنبي.
ثانيا- قانون الضرائب على الكنائس وممتلكاتها
أيام الحكم العثماني للمنطقة أُعفيت الكنائس وملحقاتها في عامة فلسطين ومنها كنائس القدس من الضرائب، بموجب إرادة سَنيّة (فرمان) من السلاطين العثمانيين، واستمر الأمر على هذا الحال حتى جاء الصهاينة وأصدروا قانوناً فرضوا بموجبه ضرائب مالية مرتفعة على الكنائس وملحقاتها، ويظهر جلياً أنّ الهدف من وراء هذا القانون هو إيقاع المقدسيين في عجز مالي، وعدم مقدرتهم على دفع الضرائب الأمر الذي يرتّب حسب هذا القانون إغلاق الكنائس وطرد المسيحيين من القدس.
ثالثاً- قانون سحب الهوية المقدسية
حيث يعطي هذا القانون الصلاحية الكاملة للحكومة الإسرائيلية بسحب الهوية الإسرائيلية (وثيقة سند الإقامة) من أيّ مواطن عربي من سكان القدس في حال إدانته بالمشاركة في نشاطاتٍ معاديةّ للدولة الإسرائيلية.
ويُعتبر هذا القانون هو الأخطر من بين القوانين، ذلك أنه يستهدف الوجود الفلسطيني في القدس، لأن من آثار سحب الهوية عدم جواز إقامة المقدسي المسحوبة هويته في القدس، وبالتالي إخراجه منها.
رابعاً- قانون القومية اليهودية
وهو قانونٌ إسرائيلي ٌّ أساسي، أي بمرتبة الدستور من القوانين بمعنى أنه القانون الأول أو الأعلى الذي لا يجوز مخالفته، لأنّ مخالفته تُعدُّ جريمة بحق الدستور.
عرّفَ هذا القانون "إسرائيل" بأنها "دولةٌ قوميةٌ للشعب اليهودي" وأنّ اللغة العبريةَ هي اللغة الرسمية لها، وعليه فإن اللغة العربية تفقد صفة اللغة الرسمية.
ومن آثار هذا القانون أنّ كل يهوديّ يهاجر إلى إسرائيل َ يُمنحُ المواطنة المباشرة.
ويأتي هذا القانون استكمالا (لقانون العودة) الذي يعطي لكلِّ يهوديّ الحقّ في العودة إلى فلسطين، ويحجبُ هذا الحق عن الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين.
إنَ هذه الإجراءات ستؤدي إلى إنقاص أعداد الفلسطينيين، وازدياد أعداد اليهود بنسب مضاعفة عليهم.
خامساً - قانون معاقبة رماة الحجارة
ظهر هذا القانون الجائر في أعقاب انتفاضات الأقصى، حيث كان المنتفضون يرمون الجنود الإسرائيليون أثناء المواجهات معهم بالحجارة، ويكفي أن نذكر أنّ عقوبة من يرمي الحجارة على الجنود الصهاينة المجندين بالسلاح تصل إلى السجن 20 عاماً، وذلك للتدليل على قرقوشية (رمز للظلم) هذا القانون، وعلى هدف الاحتلال الصهيوني في إخلاء مدينة القدس من سكانها الأصليين، الأمر المستفاد من طول مدة العقوبة.
سادساً- قانون محاربة الإرهاب باليد القاسية.
والمقصود بالإرهاب هنا، مفهومه من وجهة النظر الإسرائيلية، أي كل أفعال أو كتابات مقاومة لسلطة الاحتلال الإسرائيلي.
ويُعتبر هذا القانون من أخطر وأقسم القوانين، لأنه يشمل عقوبات واردة في قوانين أخرى سابق الحديث عنها، بمعنى أنه لو أفلت الفلسطيني منها فإن يفلت من قانون اليد القاسية.
ويتضمن ثمانية إجراءات وعقوبات صارمة منها:
- سلب حقّ الإقامة والسكن.
- سحب الهوية الإسرائيلية.
-الطرد خارج البلاد.
أحكام السجن لمدة طويلة.
سابعاً- قانون حظر المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى.
ويهدف إلى منع وجود الفلسطينيين في المسجد الأقصى، وملاحقتهم.
وذلك بهدف منعهم اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى.
وذكرنا العقوبات والتدابير الصارمة المحددة لمثل هذه الاقتحامات الشعبية.
من خلال استعراضنا للقوانين تلك يتبدّى لنا أنها قوانين عنصرية سُنت ضد شريحة معينة من الناس وهم السكان الأصليون، سكان مدينة القدس بهدف إخلائهم منها، وبسط السيطرة الإسرائيلية على القدس لتهويدها.
إن تلك القوانين تشكل جرائم ضد الإنسانية حسب القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان، ومبادئ الحق الطبيعي والعدالة.
لأنها قائمة على أساس عنصري ديني، تستهدف سكان القدس بشكلٍ خاص بهدف إخراجه منها.
*سليمان النحيلي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية