لا يبدو أن ممارسة القمع حكر على الأنظمة ورجال استخباراتها وجوقات المنافقين المحيطة بها على اختلاف فئاتهم وتصنيفاتهم سياسية كانت أو إعلامية أو دينية وتطول القائمة، بل بعض الشعوب أيضاً لا تقل قمعية بما تملكه من موروث ومن آليات تفكير ناظمة للطريقة التي تطلق فيها أحكامها على الآخر، سواء أكان الآخر شخصاً أم حزباً أو حتى فكرة.
وقد تحتاج المسألة لبحث معمق لمعرفة ما إذا كانت الأنظمة عبر ممارساتها القمعية لعقود طويلة هي من أوجدت الفكر القمعي لدى الشعوب أم أن الأخيرة هي التي خلقت هذه الحالة لدى الأنظمة أو أنها من مفرزاتها.
تُنتج كل مرحلة زمنية، بما فيها من ممارسات واقعية وأحداث وربما مخاوف، "كليشيهات" ثابتة تستخدم خلال الحوار أو الكتابة، ومنها ما بات متداولا بكثرة خلال النقاشات والأحاديث أو ما نقرأ من مقالات لها علاقة بالإخوان المسلمين، فإما أن يبدأ الكاتب مقاله أو حتى منشوره "الفيسبوكي" "لست مدافعا عن الإخوان" أو أن يذيله بـ"لست منتسبا للإخوان"، وربما يتحول مقاله إلى مرافعة دفاع عن نفسه، تبعده عن فكرته الأساسية، وكأنه يعلم مسبقاً أن "تهمة" جاهزة ستكال إليه، والتهمة هنا، ليست قادمة من أجهزة استخبارات الأنظمة، بل من الأفرع الأمنية لدى القارئ والمحاور والمتلقي أو من يستمع للحديث، فكلهم يتحولون إلى "علي دوبا" /أحد أشهر رجال الاستخبارات زمن حافظ الأسد/، وهذا التحول ليس من باب النقد ومعالجة الفكرة، بل من التصور والموقف وهو على الأغلب موقف مُتخذ مسبقا وبعيد عن المعرفة الحقيقية، فلو كنا ممن يعالجون الأفكار ويناقشونها بعيداً عن الكتل الإسمنتية الفكرية مسبقة الصنع المستلقية في أدمغتنا لما كان هذا حالنا.
ما أوردته عن مثال الإخوان هو مجرد نموذج عن طريقة التعاطي القمعي، مع التأكيد على أنه النموذج الأوضح، فمثله "لست أردوغانيا" التي باتت هي الأخرى من ثوابت الكتابة عند الإشارة للسياسة التركية، فالدفاع جاهز لـ"تهمة" مفترضة هي الأخرى جاهزة سلفاً، وبالتالي يساهم الكاتب أو المتحدث في ترسيخ ما هو موجود لدى المتلقي أصلاً من آلية تفكير.
ومن المفارقات، وما أكثرها، أن الكثير من أصحاب "الأحكام المسبقة"، هم ممن يطرحون أفكاراً براقة عن استيعاب الآخر، ويسعون للوصول لحالة يحكمها مفهوم "العقد الاجتماعي"، هكذا يكتبون على الأقل.
أخيرا "عزيزي علي دوبا" أنا "لست اخوانيا"، و"لست اردوغانيا"...
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية