أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عزيزي علي دوبا.. حسين الزعبي*‎

أرشيف

لا يبدو أن ممارسة القمع حكر على الأنظمة ورجال استخباراتها وجوقات المنافقين المحيطة بها ‏على اختلاف فئاتهم وتصنيفاتهم سياسية كانت أو إعلامية أو دينية وتطول القائمة، بل بعض الشعوب أيضاً ‏لا تقل قمعية بما تملكه من موروث ومن آليات تفكير ناظمة للطريقة التي تطلق فيها أحكامها على ‏الآخر، سواء أكان الآخر شخصاً أم حزباً أو حتى فكرة.‏

وقد تحتاج المسألة لبحث معمق لمعرفة ما إذا كانت الأنظمة عبر ممارساتها القمعية لعقود طويلة هي ‏من أوجدت الفكر القمعي لدى الشعوب أم أن الأخيرة هي التي خلقت هذه الحالة لدى الأنظمة أو أنها ‏من مفرزاتها.‏

تُنتج كل مرحلة زمنية، بما فيها من ممارسات واقعية وأحداث وربما مخاوف، "كليشيهات" ثابتة ‏تستخدم خلال الحوار أو الكتابة، ومنها ما بات متداولا بكثرة خلال النقاشات والأحاديث أو ما نقرأ ‏من مقالات لها علاقة بالإخوان المسلمين، فإما أن يبدأ الكاتب مقاله أو حتى منشوره "الفيسبوكي" ‏‏"لست مدافعا عن الإخوان" أو أن يذيله بـ"لست منتسبا للإخوان"، وربما يتحول مقاله إلى مرافعة ‏دفاع عن نفسه، تبعده عن فكرته الأساسية، وكأنه يعلم مسبقاً أن "تهمة" جاهزة ستكال إليه، والتهمة ‏هنا، ليست قادمة من أجهزة استخبارات الأنظمة، بل من الأفرع الأمنية لدى القارئ والمحاور ‏والمتلقي أو من يستمع للحديث، فكلهم يتحولون إلى "علي دوبا" /أحد أشهر رجال الاستخبارات زمن ‏حافظ الأسد/، وهذا التحول ليس من باب النقد ومعالجة الفكرة، بل من التصور والموقف وهو على ‏الأغلب موقف مُتخذ مسبقا وبعيد عن المعرفة الحقيقية، فلو كنا ممن يعالجون الأفكار ويناقشونها ‏بعيداً عن الكتل الإسمنتية الفكرية مسبقة الصنع المستلقية في أدمغتنا لما كان هذا حالنا.‏

ما أوردته عن مثال الإخوان هو مجرد نموذج عن طريقة التعاطي القمعي، مع التأكيد على أنه ‏النموذج الأوضح، فمثله "لست أردوغانيا" التي باتت هي الأخرى من ثوابت الكتابة عند الإشارة ‏للسياسة التركية، فالدفاع جاهز لـ"تهمة" مفترضة هي الأخرى جاهزة سلفاً، وبالتالي يساهم الكاتب ‏أو المتحدث في ترسيخ ما هو موجود لدى المتلقي أصلاً من آلية تفكير.‏

ومن المفارقات، وما أكثرها، أن الكثير من أصحاب "الأحكام المسبقة"، هم ممن يطرحون أفكاراً ‏براقة عن استيعاب الآخر، ويسعون للوصول لحالة يحكمها مفهوم "العقد الاجتماعي"، هكذا يكتبون ‏على الأقل.‏

أخيرا "عزيزي علي دوبا" أنا "لست اخوانيا"، و"لست اردوغانيا"...‏

*من كتاب "زمان الوصل"
(218)    هل أعجبتك المقالة (178)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي