أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الأسد لا يريد المهجّرين*

من مهجري الغوطة - ارشيف

تتفق رغبة النظام مع ما يريده الغرب برفض عودة المهجّرين إلى سورية، بيد أن غايته مختلفة تماما، فهو يسعى إلى للاحتفاظ فقط بالموالين له في سوريته المفيدة، نعم، هو اليوم يعاكس رغبة الروس بعودتهم، لكنه بالتأكيد لا يجرؤ على التصريح بهذا علنا أمامهم.

بنظرة عامة على المناطق التي استرجعها النظام إلى حضنه، يمكن مشاهدة الفراغ الذي يلفّ معظمها، إنها خاوية إلا من كلاب شاردة وجنود أسديين يبحثون عن بقايا مواد تعيفيشية تحت ركام منازل دمرها طيران قائدهم. 

ريف اللاذقية وداريّا بريف دمشق أوضح إشارة على رفض الأسد لعودة النازحين والمهجرين، كثير من سكان المنطقتين وغيرهما نزحوا للإقامة في مناطق أخرى خاضعة للنظام أبدوا رغبتهم بالعودة إلى منازلهم، بيد أنه منعهم من ذلك بحجج واهية لم تنطل عليهم، وليس هؤلاء ممن يشكلون خطرا عليه، وهم القابعون في مناطقه، لأنهم لو سعوا للشرّ تجاهه لكانوا فعلوا.

ينظر النظام إلى الهاربين من بطشه إلى المناطق المحررة ودول الجوار وبقية دول العالم على أنهم معارضون، وعليه، يبذل ما يستطيع من جهد لقطع الطريق على عودتهم، هم ضده في السياسة، أصواتهم لغيره في انتخابات قد تجري ويشارك فيه رأس هذا النظام.

إن الأسد بسكان الخاضع له من سورية يضمن السكينة والأمان فهم صامتون طواعية كان أم قسرا، موالون من أبناء طائفته ومن الأقليات والأكثرية، البرجوازية الانتهازية، المتشيّعون، هذا يكفيه، ويعتقد أنه يحقق حلمه بأبدية الحكم، أما المهجّرون فوجع رأس لا ينقصه.
عودة المهجرين، فوق هذا، تعني إخلاء الشيعة الذين جنّسهم وأسكنهم في المنازل التي هجرها سكانها، وتعني مزيدا من المتطلبات، أساسها الخدمات والبنى التحتية، وهو يعجز عنها بالقليل الذي لديه من السوريين، عودتهم تعني كذلك إعادة إعمار يشترط الغرب من أجلها حلّا سياسيا للمشكلة السورية، وهذا يأخذ الأسد بعيدا عن المشهد، وهو مستعد لارتكاب كل شيء وإعادة خلط الأوراق مجددا من أجل عدم الوصول إلى هذه النقطة.

إن أي خطوة باتجاه السلام في سورية تقود إلى نهاية الأسد، هو يدرك ذلك تمام، لذلك يرفض اللجنة الدستورية الروسية الديمستورية، وهي أقل بكثير مما يريده السوريون، فيكف به بالخطوات التي ستليها، فطموحات الذين خرجوا ضده أولها الحرية، وليس أكثرها العدالة ومحاسبة العهد والمجرمين الذين شاركوا في الإبادة والمجازر والتدمير، وكان ذلك سببا في تهجيرهم ونزوحهم.

وهذا الأمر غير مقتصر على رغبة السوريين، بل يحتاج الرضى الدولي، الذي قد لا يأتي متوافقا تماما معها غير أنه لا شك يشاطرها بعضه لا سيما موضوع بقاء الأسد في سدة الحكم، حيث لا توجد في الغرب دولة واحدة تتجرأ أخلاقيا الموافقة على استمراره في السلطة وقد سجّل كل الكون ما ارتكب من جرائم تفنّن باستخدام كل الأسلحة فيها.

الأسد يسعى لإبقاء سوريا على شفير النار، لا سلما ولا حربا، يريد استمرار مواليه بحالة لهاث باتجاه الحفاظ على ما حققوه من مكاسب "أقلها مادية" في سنوات الثورة والبقاء في حالة استنفار يحرّضها عند كسلها بافتعال المعارك الصغيرة، لذلك هو بحاجة لعدو مسلح دائما، وهذا ما جعله حريصا على عدم القضاء على جبهة "النصرة" في إدلب، وهي أداته الطيّعة لنقض الاتفاقات وشحذ همم أنصاره بتهديداتها وقصفها لمواقعه عند الحاجة إلى ذلك.

الأسد بين خيارين كلاهما أسود كجرائمه، إن تناقض مصلحته مع مصلحة روسيا في موضوعي إيران وإعادة اللاجئين قد تحمل له مصيرا لا يشاوره فيه أحد، ولن يكون الخيار الثاني بالحلّ السياسي وعودة اللاجئين وإعادة الإعمار بأفضل له، إنه يفاضل بين الموت والموت، فإزاحته عن الحكم موت بصيغة لا يرى أنها أقل ألما من الموت الحقيقي.

*من كتاب زمان الوصل
(164)    هل أعجبتك المقالة (151)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي