أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء.. فؤاد حميرة*

أرشيف

اسمحوا لي أن أستعير هنا مقولة زعيم الثورة البلشفية في روسيا "فلاديمير إيليتش لينين" في عرض تقييمه لنتائج الثورة الروسية بعد انتصارها بأعوام، فتكون عبارته عنوانا لهذا المقال بل وخاتمة له أيضا، خاصة وأنا أرى أنها تصلح للحديث عن أية ثورة شهدها التاريخ ومنها، على سبيل المثال، الثورة الفرنسية التي لم يكن لها نتائج سريعة المفعول على الشعب الفرنسي، إذ احتاج الأمر إلى نحو مائة عام لتكمل الثورة مهامها وأهدافها في الحرية والعدالة ومجالات حقوق الإنسان الأخرى، فالثورة التي انطلقت في صيف عام 1789 ومع اشتداد التأثير البرجوازي على النظم الملكية الإقطاعية مدعوما بأفكار "جان جاك روسو" حول العقد الاجتماعي وعن الحرية والمساواة، وكذلك أفكار "مونتيسكيو" عن التفاوت الطبقي وأفكار غيرهما من الفلاسفة الذين نظّروا للحياة الجديدة القائمة على فصل السلطات وبدء عصر التنوير.

لم يصدر عن تلك الثورة نتائج إيجابية أو لم تكن منعكساتها إيجابية على الفرنسيين بشكل مباشر، فكثير من الحرفيين فقدوا أعمالهم بسبب انتشار المصانع البخارية والآلة الحديثة، فانضموا إلى جيوش العمال أو جيوش العاطلين عن العمل، كما ارتفعت نسب الفقر والبطالة وانتشر الجوع والأهم أن الديكتاتورية الملكية التي أسقطتها الثورة قد عادت من جديد ممثلة بشخص "نابليون بونابرت" الذي أعلن نفسه امبراطورا جديدا على فرنسا منقلبا بذلك على الجمهورية التي أرست قواعدها الثورة.

وتذكر المراجع أن الفوضى عمت أنحاء فرنسا وانتشرت إلى باقي الدول الأوربية بتأثير ووحي من أفكار الثورة الفرنسية، واستمرت هذه الفوضى عشرة أعوام على الأقل، كما تعرضت فرنسا لتهديدات خارجية من قبل الأسر الملكية الحاكمة في أوروبا خشية اتساع نطاق الثورة وامتدادها إلى البلدان المجاورة وحتى البعيدة، ذلك أن ثورة الفرنسيين وأفكارها باتت الرافعة السياسية والاقتصادية والمحفز الفكري لباقي شعوب أوروبا. 

إن الوصف السابق لثورات تعتبر في نظر الكثير من المؤرخين والباحثين الأهم في تاريخ البشرية شديدة التطابق مع ثورات الربيع العربي سواء تلك التي نجحت في تحقيق جزء من أهدافها عبر إزاحة النظم الديكتاتورية (حالة اليمن وليبيا ومصر وتونس)، أو تلك التي فشلت في إسقاط النظام (الحالة السورية)، وبدا ظاهرا على السطح أن تلك الثورات كانت وبالا على شعوبها ولم تنجز غير الكوارث عبر معارك لم تكن متكافئة، ولم يتم الإعداد لها بالشكل المطلوب، ولا نقصد هنا التسليح ونوعيته، وإنما أيضا نوعية المقاتل وطبيعة الهدف الذي يسعى الثائر لتحقيقه، ناهيك عن ارتباط البندقية بالممول وإرادته ومصالحه رغم تعارضها في كثير من الأحيان مع مطالب وأهداف ثورات الشعوب، فأصبح التطرف الديني (بشكله المرعب) هو السلوك السائد عند معظم الأطراف المتصارعة، وصارت أهداف الثورات في الحرية العدالة والمساواة وتخفيف حدة التمايز الطبقي نسيا منسيا واختفت تلك الشعارات خلف رايات سوداء أسهمت بقسط كبير في الانحراف عن السار الثوري المنشود.

كما كان لغياب الرؤى السياسية الواضحة والبرامج العملياتية المدروسة دور هائل في انحراف البوصلة الثورية، ودخل القائمون على الشأن الثوري في متاهة العمل الارتجالي الخاضع أساسا لأوامر الممول وتعليمات أجهزة استخبارات إقليمية ودولية، ما نجم عنه في المحصلة تراجع على كافة الأصعدة العسكرية والفكرية والعقائدية، وكانت النتائج كارثية على الشعوب كما أسلفنا سابقا.

ولكن ما يجب الانتباه إليه هنا هو أننا نقوم بتوصيف الصورة المظهرة فقط والتي يراها الجميع ربما في حين أن الحقيقة تكمن في قراءة الصورة بكامل أبعادها، فالصورة مثل جبل الجليد الذي يظهر ثلثه فيما يبقى ثلثاه غارقين تحت الماء، فالصورة هنا لا تظهر بكل أبعادها إلى بعد الغوص في بعدها الثالث أيضا أي في عمقها حتى تتكشف الألوان كافة ونتمكن من تفكيك الرموز القابعة ضمن الإطار.

رفعت الثورة السورية شعار إسقاط النظام، وهو الشعار الذي مازالت تتبناه حتى اللحظة، فلا محيد عن تحقيق هذا الشعار، وأعتقد شخصيا أنه كان الخطيئة الأولى في مشوار الثورة، ذلك أن شعار إسقاط النظام ليس هدفا ثوريا، بل إن الهدف كان (ومازال) إقامة دولة المساواة والعدالة والديمقراطية، ولكن عبر إسقاط النظام الذي يقف حجر عثرة في طريق تحقيق هذا الهدف المنشود كان لا بد من تبنّي شعارات العدالة والمواطنة والارتقاء بها عما سواها من الشعارات الأخرى لتصبح موضوعة إسقاط النظام تحصيل حاصل أو شعارا متضمنا في الأهداف.

بعد هذا الاستطراد نعود لموضوعنا الأساس وهو الحديث عن النتائج المباشرة للثورة وعن تحليل الصورة المظهرة، هذه الثورة -وعلى عكس ما يراه البعض- حققت إنجازات ما، وإن كان بأثمان باهظة، ولكن هذه هي طبيعة الثورات لا يمكن أن تنجز مهماتها دون أثمان في الأرواح والممتلكات وحتى الأحلام أيضا، ولكنها نجحت في كسر وهم سوريا الأسد إلى الأبد كسرت وهم أبدية الذل والقهر والاستبداد وزرعت الأمل في قدرة الشعوب على التغيير، وأن هذه الشعوب قادرة على امتلاك زمام مستقبلها إن أحسنت استثمار طاقاتها وأطلقتها في مسارها الصحيح.
لقد قلنا في البداية إن الثورة الفرنسية (وهي النموذج الثوري العالمي) قد شهدت فلتانا أمنيا وفوضى عارمة في أنحاء فرنسا استمرت عشر سنوات ترافق كل ذلك مع تزايد نسب الفقر والبطالة، ونحن هنا لا نقصد أنه علينا المسير في ذات المصير، ولكن في ذات الوقت علينا ألا نفقد الأمل في التغيير بالرغم من كل الإحباطات وعلى الرغم من كل ما يحيط بنا من غدر وتخلٍّ.

تعرضت الثورة الفرنسية لتهديدات خارجية وكذلك الحال مع ثورات الربيع العربي، ومنها ثورتنا السورية، فهي تتعرض للتهديد في كل لحظة، هذا التهديد يتجلى في كثير من المظاهر، منها التآمر على العمل السياسي والثوري عبر اختيار شخصيات وجماعات يسهل شراء ولائها، شخصيات مطواعة ومستعدة للعمل كخادمة لمصالح من يدفع.

أليس التأسيس لهيئات واتئلافات ومؤسسات معارضة مفرغة من المضمون نوعا من التهديد؟ ألم يكن حصر الثورة في زاوية الحاجة إلى السلاح نوعا من التآمر والتهديد؟ لقد تم صرف مئات ملايين الدولارات على تلميع شخصيات فارغة من كل فكر شخصيات قزمة سياسيا وخانعة نفسيا وجاهزة للتنفيذ والسعي لتبوئها مكانة عليا في المؤسسات الثورية والسياسية المعارضة، ولا داعي هنا لذكر أسماء (الكركوزات) التي جرى العمل على تنجيمها والإيحاء بأنها شخصيات فاعلة، وتمتلك رؤى سياسية، علما أن الكثيرين منا يعرف أن هذه الشخصيات لم تقرأ مقالا في جريدة طيلة حياتها، وأن أهم إنجازاتها كان التطبيل والتزمير لمن يدفع بدءا من النظام وليس انتهاء بعملاء المخابرات الإقليمية والدولية.

كل تلك الصورة القاتمة جرى العمل عليها لتظهر أمامنا بكل عدميتها ولا أعتقد أن شيئا في هذه الثورة قد جاء مصادفة إلا انطلاقتها الأولى.

نحتاج لوقت كي تنضج الأفكار ونستوعب الدرس فقد نهضنا من رقادنا ويجب ألا نعود للنوم إلا على وسائد الحرية، خطوة إلى الأمام وخطوتان للوراء؟؟ ربما، ولكن علينا ألا نكتفي بقراءة الجزء الأخير من الجملة (خطوتان إلى الوراء) بل وأيضا قراءة جزئها الأول، فهناك بالتأكيد خطوة إلى الأمام.

*من كتاب "زمان الوصل"
(273)    هل أعجبتك المقالة (261)

محتار بن حيران

2018-10-27

ياأخي يافؤاد انت في القرن الحادي والعشرين ولايحق لك المقارنة بالثورة الروسية أو الفرنسية. لقد انتهى عصر الثورات والإنقلابات السياسية والدينية والعسكرية الخ ولم يعد هناك إلا ثورات العلم والتكنولوجيا. الشعوب المتخلفة لامكان لها في هذا العالم المتقدم إلا إذا نفضت عنها غبار الجهل. مازلتم تحلمون باسقاط الحكومات؟ في عصر المعلومات لايوجد ثورات كثورات القرن التاسع عشر!.


سوري حر

2018-10-29

تطبيقاً لمقولة لينين جاءك ردين من مخلوقات منفصلة عن الواقع وخارج حتى هامش التاريخ حالهم في هذا كحال رئيسهم الدمية. ما قلته صحيح، السوريون من الجيل الرابع سيقطفون ثمار الثورة السورية اليتيمة. تحيا سوريا حرة.


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي