لا يمكن لبشري أن يكمل مشاهدة الفيديو الرهيب الذي انتشر منذ أيام لأخ يطلق الرصاص بغزارة على شقيقته منتقماً لشرفه في مدينة جرابلس شمال سوريا، والسبب أنها اغتصبت من قبل وحش بشري آخر طوعاً كان أم إكراهاً.
الفيديو انتشر بسرعة على وسائل التواصل، وكبريات الصحف ووسائل الإعلام العالمية لما حمله من وحشية مفرطة، ولاقى رفضاً شعبياً كبيراً باعتباره اعتداء عنيف على روح بشرية صامتة وغير قادرة على المقاومة، وأيضاً إيغال في الضلال عن شريعة الله وحق الحياة.
ليست مناطق الشمال السوري وحدها من تعج بهذه الانتهاكات البغيضة بل أن روح الانتقام والقسوة والتوحش باتت اليوم تحت قبضة الزناد، وحيث لا قانون يحمي مظلوماً أو ضحية، وعندما تسود لغة القوة وفوضى السلاح يصبح من السهل جداً تأجيج عقلية الثأر واستنهاضها في مساحة من العالم غادرها العقل قبل القلب.
في سوريا اليوم تتعرض المرأة إلى أبشع صور الاستغلال الجسدي والنفسي، وقصص القاصرات اللواتي يتم استثمارهن في بيوتات الدعارة في العاصمة وريفها تفوح بها كل صحف الموالاة ومواقعها الإلكترونية، وصولاً إلى الدعارة العابرة للدول، وهذا قد يكون أشد قسوة من القتل.
لقد تم اغتصاب فتاة جرابلس مرتين، وانتهكت كرامتها وشرفها مرتين، وفي كلا الحالتين القاتل ذكر استبد به الغيظ والحماقة، في المرة الأولى عندما اغتصبها عابر أو عشيق سموه ما شئتم تم تركها للموت مرة ثانية بين يدي آثم آخر يرى أن من حقه خطف روح إنسان، وأنه وصيّ على حياتها لدرجة تمكنه من أخذ دور القاضي والحكم بآن واحد.
كان حظ فتاة جرابلس سيئاً في أن موتها جاء في وسط لغط موت بشري آخر، ووحشية رعوية استبدت بعقل أمير عربي يعتقد أنه يملك ألسنة وعقول الناس، وهذا ما جعله يرسل جنوده لتقطيع جسد رجل ذنبه أن له رأي مخالف، ووجهة نظر لا توافق الأمير الطائش.
مرت الجريمة رغم ادانتها والسخط من وحشيتها كما كل ما يجري على الأرض السورية من انتهاكات، ولكنها لا تقل وحشية عن جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشجقي فكلاهما تم بدم بارد، وباعتداء آثم على روح بشرية، وقد يكون الخاشقجي أطلق صيحات احتجاج في وجه قاتليه بينما خيم صمت رهيب على الفتاة التي تلقت الرصاصات المتوحشة.
وقد يكون بيننا من يهلل للرصاصات القاتلة على أنها استعادة لشرف مغتصب فرطت به فتاة ضالة أو مضللة إما طواعية أو كراهاً، وأن من حق هؤلاء الأجلاف أن يأخذوا الثأر من جسد خائف صامت، وأن يسكتوا رجفان قلبه إلى الأبد فقط لأنه أحب أو أخطأ.
سوريا البلد المتنوع والمتسامح انتهكها الفكر المارق، وعتاة القتلة، وروحها الوسطى في خطر وهي التي حمتّها من العبث طوال قرون من العيش المشترك والقيم الحضارية، وكانت جرائم الشرف بالرغم من وجودها وتبريره حدثاً مداناً ومستهجناً، وأما الآن فثم من فتح الباب لأشرار الأرض كي يدنسوها.
*عبد الرزاق دياب - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية