• 8 كتب في تمجيد النظام ولعن "الربيع العربي" سددها الرجل حتى الآن كجزء من "تسوية" ملفه
• سر قربه من "الشرع" صديق مشترك امتاز بالهدوء ودماثة الأخلاق
عندما ظهر نائب رئيس النظام "فاروق الشرع" في صور مع أحدهم قبل أيام، كان من الطبيعي جدا أن ينصب اهتمام الغالبية على "الشرع" نظرا لظهوره الشحيح، بل شبه المعدوم- خلال السنوات الأخيرة، وكونه الشخصية التي نالت أكبر قسط من شائعات "الانشقاق" وتكهنات الحلول مكان بشار الأسد في رئاسة البلاد.
وقد قيل ما يكفي في صور "الشرع" الأخيرة، وتحليل ملامح وجهه وتقدمه في العمر و..، على اعتبار أن هذه الصور هي الظهور العلني الأول له منذ عام 2016، كما تناقلت ذلك وسائل إعلام كثيرة دون تمحيص، والصحيح وكما ثبت لـ"زمان الوصل" أن "الشرع" ظهر في صور بمنزله في مثل هذا الشهر من العام الماضي، بل ومع نفس الشخص.
كل من عرّفوا بالشخص الذي ظهر مع "الشرع" اكتفوا بالقول إنه "الشاعر السوري المقيم في تونس هادي دانيال"، وهو اختصار مخل بل ومضلل لشخص يبدو هامشيا، وربما لم يسمع به كثير من السوريين إلا في هذا الموقف (موقف صوره مع الشرع)، ومع ذلك فهو رجل محوري ومحوري جدا، لا بوصفه الشخصي بل بصفته ممثلا لتيار عريض احتار المحللون في فهم تناقضاته وتقلباته.
*"متخلف"
ولد "هادي دانيال"، واسمه الحقيقي بالمناسبة "عبدالهادي دانيال الوزة"، في قرية كفرية بمنطقة الحفة في ريف اللاذقية عام 1956، وسريعا ما سلك نفسه في سلك المناضلين والمقاومين عندما التحق وهو لم يزل ابن 17 عاما بمنظمة التحرير الفلسطينية في بيروت وعمل في صفوفها، حتى كان ترحيلها عن بيروت ولبنان كله عام 1982، وهي العملية التي ساهم حافظ الأسد فيها بفعالية، ومهدت الطريق لظهور "وكيل حصري للمقاومة" في لبنان.
وكما انطلق "دانيال- الوزة" في سلك "المقاومة" مبكرا، اختط الفتى طريقه في سلك "المثقفين اليساريين" مبكرا أيضا، وشرع في إصدار القصائد والدواوين مستفيدا من احتضان منظمة التحرير له، لاسيما على مستوى تأمين العمل والراتب الشهري الدائم.
وكان "دانيال-الوزة" فيمن خرجوا من بيروت مع الدفعة التي انتهى بها المطاف في تونس، حيث استقر في هذا البلد كبار القادة وعلى رأسهم: ياسر عرفات (أبو عمار)، وخليل الوزير (أبو جهاد)، الذي اغتالته المخابرات الإسرائيلية ربيع 1988 وسط منزله.
ونظرا لأن "دانيال-الوزة" قد خرج عام 1973 من سوريا نحو لبنان بطريقة غير شرعية (تهريبا) ولم يلتحق بالخدمة العسكرية، فقد بقي مطلوبا للالتحاق، وصدرت بحقه كأي سوري مذكرات سوق متعددة، منها واحدة بين أيدينا تعود للعام 2008، تصفه بأنه "متخلف عن السوق".
ويبدو أن اليساري المناضل قد وجد حلا لهذه المشكلة بواسطة واحد من كبار ضابط النظام (سيأتي ذكره لاحقا)، فصار يذهب ويجيء بين تونس وسوريا مرارا وتكرارا، دون أن يتعرض لاعتقال أو تعذيب وهو الذي يفترض أنه ينتمي لمنظمة تعد هي ورئيسها (منظمة التحرير) من ألد خصوم نظام الأسد، فضلا عن زيارته للعراق، الذي كانت زيارته خيانة تستوجب العقاب الشديد لدى حافظ، لأنها تعادل أو تزيد عن زيارة "إسرائيل" بنظره.
وعلى أي حال، فقد بقي اسم "دانيال-الوزة" شبه مغمور في سوريا، لأنه لم يعش فيها أصلا بعد مراهقته، ولم يطبع أيا من دواوينه فيها حتى حلول عام 2003، بينما كان للرجل صولة وجولة في منظمة التحرير تولى عبرها مهام في ميداني الثقافة والإعلام حتى وصل إلى منصب مدير مكتب الأمانة العام في اتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين.
وقد حجز الرجل لنفسه مكانا في الوسط الثقافي التونسي، بوصفه اليساري النموذجي نصير الجماهير المسحوقة، والداعي إلى التحرر من الاستبداد وقيوده، ومما رسخ هذا المكان وأعطاه هالة زائدة ارتباط اسم الرجل وتاريخه بـ"منظمة التحرير"، التي لتونس والتوانسة معها تجربة مختلفة، تنطلق من "شرف" احتضان هذه المنظمة بعد أن "خانتها وتخلت عنها جميع الأنظمة العربية".
وبقي "دانيال_الوزة" محافظا على صورة "اليساري النموذجي"، حتى هبت رياح التغيير وإسقاط الأنظمة المستبدة، رغم أنها هبت وللمفارقة من البلد الذي يقيم فيه هذا "اليساري" منذ عقود.
فقد ساند الثورة التونسية مدة أسبوع فقط عبر قصيدتين خجولتين، ثم انقلب إلى النقيض تماما، وأظهر عداءه الفاقع الذي لا يقبل شكا ولا تأويلا للثورات العربية، وكان يشتد أكثر فأكثر كلما انتقلت الثورة من بلد لآخر (باستثناء البحرين!) حتى بلغ أشده مع الثورة السورية، التي قامت ضد من كان يقدم "دانيال-الوزة" نفسه معارضا له ولاستبداده، بل وحتى ضد النظام الذي أذاق "منظمة التحرير" وقيادتها الويلات وحاك ضدها المؤامرات.
وهكذا، وعند نقطة انطلاق الربيع العربي بالتحديد، بدا "دانيال-الوزة" متناقضا مع أدبيات التيار الذي سلك نفسه فيه (اليسار)، بل ومتنكرا حتى للقضية التي قبض من ورائها رواتبه لعقود، ونعني بها القضية الفلسطينية، التي بات من بديهيات مناصرتها السعي للخلاص من أخطر نظام أدخل في صلب القضية مسألة الانشقاقات وشراء الولاءات وزرع فيها عملاءه المخابراتيين.. الخلاص منه وليس تأييده بزعم أن ذلك يصب في مصلحة فلسطين وقضيتها.
*كل سنة كتاب
ربما يقول البعض إن موقف "دانيال-الوزة" من الربيع العربي لا يشذ أبدا عن مواقف فئة غير قليلة من اليساريين العرب، الذين أظهروا خصاما مع حركات الشعوب وتمسكا بأنظمة الطغيان مستعينين بذرائع وتنظيرات شتى.. وهذا صحيح ولكن إلى حد ما.
فالموقف العام لـ"دانيال-الوزة" لم يكن استثناء في تياره، لكن الموقف الخاص للرجل يصح أن ينطبق عليه وصف الاستثناء بل والاستثناء المتطرف، سواء لناحية كثافة ونوعية ومباشرة هجومه على "الربيع العربي"، أو لناحية مغالاته في تأييد نظام الأسد، وهو ما يذكرنا ونحن نقرأ له في هذا المجال بكتابات اللواء المخابراتي "بهجت سليمان"، الذي تؤكد معلوماتنا أنه جليس وصديق لـ"دانيال-الوزة"، كما إن الأخير صديق أيضا لوزير الثقافة "محمد الأحمد" (أبوه منير الأحمد مات في سجون حافظ)، رغم أن "دانيال-الوزة" نفسه عدو شرس لأحد أعلام عائلة "الأحمد" ونعني به السياسي والشاعر والمعارض لنظام الأسد "أحمد سليمان الأحمد"، شقيق الشاعر والسياسي "بدوي الجبل"، والذي يضيق المجال هنا عن ذكر معاناتهما ومعاناة أقاربهما من قمع وإجرام نظام الأسد.
لكن أكثر ما يثير الانتباه في موقف "دانيال-الوزة" من الربيع العربي، أن الرجل الذي ينصب نفسه مفكرا سياسيا (إلى جانب الشاعر طبعا)، لم تنفتح قريحته على تأليف أي كتاب في الفكر السياسي إلا بعد اندلاع الربيع العربي عام 2011، رغم أنه يمارس الكتابة منذ عام 1973، لا بل إنه حتى لم يكتب أي كتاب عن القضية الفلسطينية رغم "انتمائه" لها، تشغيليا على الأقل.
ولكن بمجرد أن لاح الربيع العربي تفجرت قريحة "دانيال-الوزة" فنشر 8 مؤلفات، وبمعدل مؤلف واحد في السنة، كلها مختصة بمهاجمة الربيع العربي بضراوة، لا تدانيها أي ضراوة، ولا تشبه في أسلوبها إلا أسلوب رجل متمرس في مخابرات الأسد، وتحديدا "بهجت سليمان"، حيث إن قراءة أي فقرة أو عنوان من هذه الكتب، كفيل برصد التشابه المريع بين أسلوبي الرجلين (الوزة وسليمان).
هذه الانتقال الفجائي والسريع إلى تأليف الكتب في "الفكر السياسي" (رغم كل مزاياه ورواتبه التي قبضها من منظمة التحرير لم يكلف نفسه طوال عقود تأليف كتاب عن القضية الفلسطينية حتى بزوغ الربيع العربي، بل كان يكتفي بالحديث عنها شعرا)، وهذه الغزارة غير المعهودة في التأليف والنشر، وهذا التطابق بين أسلوبي "الوزة" و"سليمان"، فضلا عن علاقاتهما الشخصية.. كل ذلك يدفعنا للتساؤل عما إذا كان "الوزة" قد صار بالفعل موظفا رسميا لدى مخابرات الأسد، يقبض فينشر، أو يتلقى كتابات جاهزة يضع عليها اسمه فقط بوصفه "ماركة مسجلة" لها وزنها في تونس.
ومما يثير هذا التساؤل أكثر وأكثر، أن "دانيال-الوزة" لم يكتف بمهاجمة الربيع العربي بوصفه "ثورات فوضى خلاقة"، أو "أوهاما" ناجمة عن "الوعي القطيعي" أو "خريفا إسلاميا بغيوم صهيونية"، حسب تعبيره، بل قرن ذلك بتمجيد فاقع للأسد ونظامه يخجل من تدبيجه بعض الموالين (ليس بينهم طبعا بهجت سليمان صاحب المعلقات في تقديس بشار).
*نماذج في العداء
وحتى نضع القراء في صورة ما كتبه "دانيال-الوزة"، فإننا سنعرض عناوين بعض كتبه وعناوين بعض فصولها، باعتبارها تشرح نفسها بنفسها، فمن كتبه:
"ثوارت الفوضى الخلاقة.. سلال فارغة"، 2011. "الربيع العربي يتمخض عن خريف إسلامي بغيوم صهيونية"، 2012. "أوهام الربيع العربي، الوعي القطيعي" 2013، "سوريا التي غيرت وجه العالم"، 2013. "مؤامرة الربيع العربي القضية الفلسطينية"، 2014. "صخرة الصمود السوري والرؤوس الحامية"، 2017.
ومن عناوين فصول كتابه "أوهام الربيع العربي":
• العالم العربي لايعيش ثورات بل فوضى منظّمة تهدف إلى تفتيته
• الإدارة الأمريكيّة الأشد خطرا على مستقبل البشرية تستعد لحرب عدوانيّة مفتعلة بذريعة خطر السلاح الكيميائي في سوريا.
• أوهام الربيع العربي بين الوعي النقدي والوعي القطيعي.
• ربيع قابيل (نسبة للقاتل الأول في تاريخ البشرية).
• أردوغان الدّونمي (نسبة إلى يهود الدونمة) وطموحاته السلجوقية.
• أئمة "البورنو".
• مجاهدات النكاح يمثلن انقلابا "ثوريا" على نموذجيّ مريم المجدليّة ورابعة العدويّة
ومن اللافت أن هذا الكتاب (أوهام الربيع العربي) المتخم بالهجوم على ثورات الشعوب وعلى السعودية أيضا، مودع ومتداول في أكبر المكتبات الرسمية السعودية (مكتبة الملك فهد الوطنية).
وهذه عينة من عناوين فصول كتابه "ثورات الفوضى الخلاقة":
• إعمام "الفوضى الخلاقة" عربيا مؤامرة أمريكية، و"إسطبل الإعلاميين العرب" أخطر أدوات تنفيذها
• من هو "الشعب" الذي يريد إسقاط النظام العربي في الفوضى الخلاقة؟
• لماذا يستمر استهداف سوريا أمريكيا؟
• بالمصالحة الفلسطينية وتفكيك المؤامرة على سورية يرتد السحر الصهيو-أمريكي على أصحابه.
• بعد انكشاف دورها التآمري على سوريا، هل تعيد أنقرة حساباتها مع دمشق؟
وتبدو كل كتبه في "الفكر السياسي" مجرد هجوم شرس ومتواصل ومتعدد الأوجه على ثورات الربيع العربي في مختلف البلدان، اللهم إلا البحرين، التي يقول عن حراكها في إحدى فقرات "ثورات الفوضى الخلاقة": "وكي تبقى شعوب الخليج العربي مكبّلة بالخوف، رازحة تحت وطأة القواعد الأمريكية والأنظمة التابعة لواشنطن وتل أبيب، تم قمع حراك الشعب البحريني بتدخّل سعودي عسكري سافر ومساندة صهيو أطلسية شاملة، وصمت من الإسلام السياسي عن تدمير مساجد المنامة، ونوم العالم عن ضحايا الملك".
*نماذج في الولاء
ونكتفي بهذا القدر من عرض أسماء الكتب والفصول التي "ألفها" الرجل في عداء الربيع العربي، لننتقل إلى ما دبجه في الولاء لنظام الأسد وتعداد فضائله وفضائل جيشه، ومنها قوله في كتاب "سوريا التي غيرت وجه العالم": "ولقد شكلت الإنجازات التي شهدتها سوريا، بقيادة الرئيس بشار الأسد، في السنوات العشر التي سبقت الأزمة تحت عنوان التطوير والتحديث، سببا كامنا عند تركيا والسعودية بخاصة لاندفاعهما كمتصدرين لأدوات المؤامرة على هذا البلد الصاعد والمشع إقليميا على الأقل".
وقوله: "بات جليا أن الرهان على المؤسسة العسكرية ذات البناء الوطني العقائدي كان ناجعا، فتضحيات وبطولات وإنجازات الجيش العربي السوري في ساحات المواجهة المتشابكة، لم تمكن فقط شعبنا العظيم من الحفاظ على دولته التي صارت دماء شهداء جيشنا السخي الأكرم والأنبل ملاطا يزيد مؤسساتها تماسكا واستجابة فاعلة للتحدي، بل إن وهج هذه الدماء الزكية أضاء المناطق المظلمة في وعي شعوب المنطقة، ومكنها من تحريك هذا الوعي وتنشيطه، أفقيا وعموديا، ليخرج على حالة الإغماء العامة التي تسبب بها تسونامي الربيع العربي الذي اصطنعته الدوائر الغربية الصهيونية".
وقوله: "وإذا كانت الإدارة الأمريكية وأتباعها من الحكومات والتنظيمات الإرهابية عبر العالم قد أشاحت بضمائرها المبرمجة عن المجازر التي اقترفتها وتقترفها العصابات الإرهابية المسلحة (داعش والنصرة والحر)... كمجازر "حطلة" في دير الزور يوم 12 حزيران 2013، التي راح ضحيتها عشرات الشهداء الاطفال والنساء، والمجزرة التي ذهب ضحيتها من الشهداء 450 مواطنا سوريا بينهم 120 طفلا يوم 6 آب 2013 قرب حلب، ومجازر قرى ريف اللاذقية أوائل شهر آب 2013 والتي ذهب ضحيتها مئات الشهداء والجرحى والمختطفين، شيوخا ونساء وأطفالا، ظهر عدد كبير منهم بين شهداء مجزرة الغوطة الغربية التي يزعم الأمريكان أن الجيش السوري ارتكبها مستخدما الأسلحة الكيميائية، وبالتالي سيوجهون له ضربة ينتقمون منه بها لأطفالنا!"
وقوله في قفرة أخرى من الكتاب: "إن لدى القيادة السورية والقيادة الروسية وبقية حلفاء سوريا كل الدلائل على أن واشنطن وأتباعها هم الذين يقفون، تخطيطا وتنفيذا، وراء استخدام السلاح الكيميائي في الغوطة الغربية وقبلها في خان العسل".
ومع عرض هذه النماذج من كتابات "دانيال-الوزة" يتضح لنا عن أي "مثقف يساري" نتحدث، كما يتضح إلى مدى ينعكس "بهجت سليمان" في مرآة كتب "دانيال-الوزة"، شكلا ومضمونا، إلى درجة أن شيئا لن يختلف أبدا، سواء وضعنا على هذه النصوص اسم "دانيال-الوزة" أو "بهجت سليمان"، أو أحيانا "بثينة شعبان" لاسيما في روايته المطابقة لروايتها عن خطف الأطفال من الساحل إلى الغوطة إبان مجزرة الكيماوي الكبرى.
*عديل رامبو
ولكن الذي يعيب على الشعوب العربية بمئات ملايينها قلة إدراكها وينعتها بأنها ذات وعي قطيعي، هو نفسه الذي استطاع أن يتسلم بعيد مراهقته (في سن 18 من عمره) مسؤولية واحدة من أهم المجلات الناطقة باسم الثورة الفلسطينية وباسم حركة التحرر فيها، وهو نفس –المراهق- الذي تسلق سلم اليسارية من أعلاه مباشرة، دون أن يعلم أحد حتى الآن خلفية هذا الأمر وملابساته، وهو نفس "المثقف" الذي مارس سلوكات مراهقة وقلة وعي واستهتار بالشرف المهني، عندما سخّر أخاه "نديم الوزة" (يقدم نفسه شاعرا هو الآخر) لتدبيج كتاب كامل في مدح عبقرية "هادي دانيال"، مستغلا جهل العموم بصلة القرابة التي تربطهما، بل إن "نديم" نشر أيضا عدة مقالات تحت باب "النقد الأدبي" خلص منها إلى تنصيب أخيه "عبدالهادي" شاعرا لا يشق له غبار على مستوى العالم، بل وجعله "عديلا" للشاعرين: آرثر رامبو وكريستيان تزارا.
ولم يكتف "عبدالهادي الوزة" بذلك، بل قام أيضا بنفس السلوك مع أشخاص تربطه بهم علاقات صداقة حميمة، ليكتبوا عنه وعن شعره وتجربته مؤلفات "نقدية"، وكأنه يريد أن يشتري الأهمية والنجومية لنفسه بأي شكل من الأشكال.
ولاشك أن مثل هذه السلوكات موجودة وشائعة في الوسط الثقافي العربي وهي تتم عادة بشكل خفي، وعلى مبدأ "حك لي لحك لك"، ولكنها في حالة "عبدالهادي الوزة" فاقعة إلى درجة لا يمكن إخفاؤها.
وكل ما عرضناه سابقا، ليس سوى عينات من مسيرة "دانيال-الوزة" الحافلة بالتناقضات والرقص على الحبال، والتي لم يخجل من أن يختمها بحلوله ضيفا دائما على إعلام النظام (التلفزيون، سانا، البعث، الثورة..)، يطلق تنظيرات التي لاتختلف في جوهرها وأحيانا في تعبيراتها، عن أي مداخلة يدلي بها شبيح متواضع التفكير والوعي.
ولأن من مقتضيات "اليسارية" تلبسها بالدعوة إلى "علمنة" الدول والأنظمة، فقد عكف "دانيال-الوزة" على تقديم نفسه ضمن رواد المطالبة بالعلمانية، والتي لا يبدو أنها لا "تثور" عليه إلا عندما تثور الشعوب مطالبة بإسقاط الطغيان، فهنا يتم اتهام هذه الثورات بالأخونة والسلفنة والتطرف و...، فيما تسكن مخاوف هذه العلمانية ويهدأ خاطر صاحبها عندما يقف تحت راية مليشيا "حزب الله" ويواليها، وعندما يتمرغ على أعتاب "المقامات" الخاصة بطائفته في ريف اللاذقية، وفقا لما نملكه من معلومات مؤكدة.
وفي الخلاصة فإن "عبدالهادي الوزة"، المعارض اليساري الثوري العلماني، المنتمي لمنظمة التحرير والذي كان يزور العراق أيام صدام، ما زال ومنذ 2004 يتردد على سوريا الأسد، وما زال ضيفا مرحبا به من قبل مسؤوليها وإعلامها، وما زال يتردد بين الفينة والأخرى على "فاروق الشرع" في منزله، ويلتقط معه الصور التذكارية، لاسيما خلال سنة 2017 و2018، وما زال –أي "دانيال-الوزة"- يزور قريته الصغيرة التي انخرط كثير من أبنائها، ومن عائلة "الوزة" تحديدا، في جيش ومليشيا الأسد وسقط عدد غير قليل منهم قتلى على مذبح كرسيه.
*يبيض ذهبا
وفي سبيل الإضاءة أكثر على سيرة "دانيال-الوزة" وتحولاته، تواصلنا مع أحد المقربين منه، والذي كان على احتكاك مباشر به لسنوات عدة خلال إقامته بتونس مدة تناهز 12 عاما، وهو الفنان التشكيلي "حبيب الراعي"، الذي درس في تونس حتى نال شهادة الدكتوراة في علوم وتقنيات الفن، قبل أن يعود إلى سوريا عام 2005.
وأول ما يؤكده لنا "الراعي" في حديثه عن "دانيال" أن الرجل كان صاحب نفس معارض واضح للغاية، منذ خرج إلى بيروت في سبعينات القرن الماضي، بل إن معارضته كانت تتجلى أحيانا بصورة عبارات حادة، ففي إحدى اللقاءات سئل عن سبب تغيير اسمه من "عبدالهادي الوزة" إلى "هادي دانيال" وسبب خروجه من سوريا، فأجاب بعبارة صاعقة وساخرة مفادها إن بلدا يحكمه الأسد لا يمكن أن تعيش أو تبقى فيه الوزة.
وأكد "الراعي" أن السوريين في تونس ونظرا لقلة عددهم، كان يحتكون ببعضهم كثيرا، وأنه شخصيا كان على تواصل دائم ومباشر مع "الوزة"، الذي كان يقبض رواتبه من منظمة التحرير، كما كان يقبض من النظام بوصفه مراسلا لوكالة أنباء "سانا"، يزودها بأخبار وتغطيات، فضلا عن توليه شؤون المكتب الصحفي في السفارة السورية بتونس، حيث كان لـ"الوزة" مكتب داخلها.
وكشف "الراعي" عن واقعة مخفية في حياة "الوزة" وهي لقاؤه بوزير داخلية النظام "غازي كنعان" أثناء قدوم الأخير إلى تونس لحضور اجتماعات مجلس وزراء الداخلية العرب عام 2004، حيث لم يخف "الوزة" إعجابه الشديد بكنعان، وامتنانه لقبول الاجتماع به، ولوعوده التي أطلقها بشأن "تسوية" ملف تخلفه عن الخدمة العسكرية، بل إن "الوزة" ذهب أبعد من ذلك وهو يقص متفاخرا أمام معارفه كيف أن "كنعان" أحبه، وكيف أخرج من جيبه 200 دولار وسلمه إياها عربون مودة.
وإثر لقاء "كنعان" بـ"الوزة" لم يكن غريبا أبدا أن يعود الأخير إلى سوريا، بعد أن كان لا يستطيع دخولها منذ 3 عقود ونيف.
أما عن العلاقة التي تربطه بـ"فاروق الشرع" رغم أنه يصغره بنحو 20 عاما، فقد كان عرابها قريب وصديق حميم للشرع، كان في نفس الوقت صديقا لـ"الوزة"، ووصلت علاقتهما درجة تبني هذا الرجل لـ"الوزة"، خلال توليه مهام إعلامية في تونس فترة من الزمن.
ووصف "الراعي" قريب الشرع بأنه كان هادئ الطباع، ودودا وخلوقا وصاحب مبادئ وفكر إنساني، وقدم لـ"الوزة" خدمات عديدة من باب الصداقة، كما عرفه إلى "فاروق الشرع" الذي يبدو أنه يحرض على استقبال "الوزة" من فرط ما يكنه من وفاء ومودة لقريبه الذي رحل قبل سنوات.
ونبه "الراعي" إلى أنه كان صديقا لـ"الوزة"، وأنهما اجتمعا على الاهتمام الإبداعي المشترك بالفن والشعر، كما إن "الوزة" شجعه شخصيا على كتابة الشعر و نشره، أما القاسم الأكبر والأهم فكان التقارب الفكري وتقاطعات كثيرة محورها الهم الوطني والناقد للنظام المخابراتي.
ووصف "الراعي" علاقته مع "الوزة" بأنها كانت صداقة تشي بكل ما له علاقة بنفس معارض للأنظمة الديكتاتورية عموما، قبل أن يفرقهما موقفهما المتباين من الثورة السورية، ويضع حدا نهائيا لهذه العلاقة، متذكرا كيف بادر (الراعي) عند اندلاع الثورة للاتصال بصديقه الذي كان معارضا ويساريا ومدافعا شرسا عن الشعوب وحريتها، وكيف حدثه من الأردن فرحا باندلاع الربيع العربي، وتصور أن يشاركه نفس الفرحة، كيف لا وهو الشاعر المنشد للحب والحرية، كيف لا و قد بدأ حلمهما بالتغيير والحرية يتحقق.. لكن العكس تماما حصل، حيث فوجئ بردة فعل "الوزة" ورفضه المطلق وإعلانه العداء للثورات ولكل من يناصرها، وهو ما مثل صدمة لـ"الراعي".
وحول احتمال تجنيده من المخابرات عطفا على توجهه المفاجئ نحو نشر كتب "الفكر السياسي" وهجومه الشرس والمكثف على ثورات الشعوب العربية، قال "الراعي" إنه لا يستطيع أن يجزم بهذا الأمر، رغم وجود مؤشرات عليه، ترجح أن تكون مخابرات النظام -على أقل تقدير- قد استثمرت مواقف "الوزة" وجندته بشكل غير مباشر، كيف لا و"الوزة" يشكل في عيون هؤلاء بضاعة ممتازة (نخب أول) ليلعب مثل هذا الدور، والسبب أن صورته في الوسط التونسي هي صورة المعارض للنظام السوري، الهارب من بطشه، المنخرط بالعمل الثوري مع الفلسطينيين في بيروت وتونس، مع التنويه بما تشكله فلسطين وقضيتها من سحر لايقاوم في تونس وعموم المغرب العربي، أضف إلى كونه شاعرا معروفا ومتميزا في الوسط التونسي وحاضرا بقوة في مشهدها الإبداعي، وكل تلك الاعتبارات تشكل إغراءات لا يمكن أن تغفل عنها السلطات السورية أو تتجاهل توظيفها، إما مباشرة أو عبر وزارة الثقافة أو الإعلام أو غيرهما، فخدمات "المعارض" سيكون لها بالغ الأثر والفاعلية، أضعاف أضعاف ما يمكن أن يقدمه أي مؤيد، ومقابل هذه الخصائص لهذه "الوزة" التي تبيض ذهبا، كان من السهل للنظام التغاضي عن كل مآخذه بما فيها تخلفه عن الخدمة العسكرية.
وأكد "الراعي" أن مآخذ نظام الأسد على "الوزة" كثيرة، ومنها عمله في منظمة التحرير عقودا، وذهابه إلى العراق في زمن صدام حسين (عدو النظام اللدود)، وعلاقته لاحقا مع غازي كنعان (الذي تورط النظام بتصفيته عام 2005)، ومع ذلك فقد استطاع الرجل "تسوية" كل هذه الملفات وبات يتردد على سوريا، بعد أن سدد –على ما يبدو- الضريبة المتمثلة في تأليف نصوص الولاء والدفاع عن "السيد الرئيس" وعن "الجيش العربي السوري".
ولفت "الراعي" إلى أن "الوزة" كان قد تورط في بعض التصرفات المثيرة للشبهات حتى قبل اندلاع الثورة السورية، ومنها قبوله الكتابة في جريدة "البعث" الناطقة بصوت النظام الذي طالما جاهر بمعارضته ومناوءته، لكن هذه الهفوة وغيرها لم تكن لتقاس أبدا بحجم خطيئة تأييد النظام ومعاداة تطلعات الشعب السوري، لاسيما بعدما سالت أنهار الدماء وباتت البلاد خرابا على يدي هذا النظام.
إيثار عبدالحق- زمان الوصل-خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية