داخل زنزانة ضيقة معتمة رطبة لا تدخلها الشمس في سجن "رومية"، أمضى اللاجئ السوري "محمد علي المحمد" الملقب بـ"أبي همام" ثلاث سنوات من حياته ذاق خلالها أقسى أنواع التعذيب والإذلال، وكان شاهداً على أحداث السجن الأسوأ صيتاً بين السجون اللبنانية خلال تلك الفترة.
وينحدر "المحمد" من مدينة "القصير" وعمل مساعد مهندس كيميائي ومخبريا في جامعة حمص، ومع احتلال "القصير" من قبل ميليشيا حزب الله نزح مع أهالي المدينة إلى القلمون، حيث عمل في مجال المساعدات الإنسانية قبل أن يُهجر ثانية إلى منطقة "عرسال" اللبنانية التي كانت تضم حوالي 120 ألف لاجئ سوري، فنشط ثانية في مجال الإغاثة، وعمل مع عدة جمعيات محلية وأممية في إيواء اللاجئين وتنظيم أوضاعهم نظراً لوجود عشوائية، ولكون "عرسال" بلدة لبنانية بعيدة عن مركز العاصمة ومهملة بشكل كامل من الحكومة اللبنانية.
بعد اعتقال قائد مجموعة "فجر الإسلام" "عماد جمعة" في الشهر الثامن 2014 في "عرسال" أصبحت خيم اللاجئين عرضة للمداهمات والاعتقالات اليومية، وبدأ حزب الله بقصف المخيمات وخصوصاً بعد اختطاف مجموعة "جمعة" لعدد من عناصر الجيش اللبناني، وحاول محدثنا بالتنسيق مع "هيئة علماء المسلمين" في لبنان تهدئة الوضع وإجراء وساطة مع جبهة "النصرة" وتنظيم من جهة والجيش اللبناني.
وفي إحدى هذه الوساطات كان -كما يروي لـ"زمان الوصل"- مع الشيخ "حسام الغالي" بتكليف من اللواء "عباس ابراهيم" ورئيس الحكومة حينها "تمام سلام"، وكان معهما عنصر من مخيم "عرسال" أرسله مسؤول جبهة "النصرة" ليدلهم على مقر الجبهة الجديد.
على أحد حواجز مخابرات الجيش تم تفتيش "المحمد" ويبدو أن العنصر -كما يقول محدثنا- كان مراقباً فوجدوا معه حزاماً ناسفاً وهنا جنّ جنون مخابرات الجيش وانهالوا عليهم بالضرب والتعذيب، وتم اقتيادهم إلى "ثكنة أبلح" وهي -كما يقول- عبارة عن مرقد شيعي تم تحويله لمعتقل، وظلوا فيها حوالي اليومين قبل أن يتم نقلهم ثانية إلى وزارة الدفاع اللبنانية، وكانت المعاملة -حسب محدثنا- أفضل نسبياً وتقبلوا فكرة أنهم وسطاء مفاوضات.
وأردف المعتقل السابق أن حزب الله تدخل في التحقيق فيما بعد ولم يكن يريد للملف أن يُحل بهذه الطريقة السلمية فضغط على قاضي التحقيق الذي ألبسهم تهمة "التواصل مع الإرهابيين"، وتم تحويل "المحمد" مع العنصر الذي عثر على الحزام الناسف بحوزته إلى سجن "رومية" بعد 20 يوماً من التوقيف.
وروى محدثنا أنه أُدخل بداية إلى مبنى يسمى (د) وليس مبنى الإسلاميين كما كان متوقعاً، وهو مبنى مخصص للتأديب، وكان في الزنزانة التي لم تتجاوز مساحتها 3م2 ثلاثة سجناء وبداخلها حمام ويمنع الخروج، وفي أسفل الزنزانة فتحة تُسمى "فتحة الكلب" كان يوضع الطعام منها للمعتقلين كما يقدم للكلاب، وهي إحدى الطرق النفسية لإهانة المعتقلين في "رومية"، وبقي هناك حوالي 4 أشهر.
وأضاف أبو همام أن حزب الله كان قد اتخذ قراراً بعدها باقتحام مبنى الإسلاميين متذرعاً بأن إشاعات تخرج منه، وأن هناك جوالات داخله يستخدمها المعتقلون للتواصل مع العالم الخارجي، وتابع أن الحزب ضغط حينها على وزير الداخلية حينها "نهاد المشنوق" الذي أمر قوة من الجيش باقتحام المبنى، وتم تعذيب المعتقلين على نحو ما انتشر من صور وفيديوهات آنذاك.
وأكد المعتقل أن الجيش اللبناني أهان الشيخ "عمر الأطرش"، وكان عناصر الحزب يأمرون المعتقلين بخلع ثيابهم وتصويرهم عرايا، وتم إحضار المعتقلين الإسلاميين بعدها إلى المبنى (د)، وزُج حوالي 20 معتقلاً في غرفة واحدة لعدة أشهر، ما دفع المعتقلين للانتفاضة على إدارة السجن، حيث تم خلع الأبواب وتمت السيطرة على المبنى.
ومضى محدثنا راويا أحداث "رومية" عايشها آنذاك، حيث تم تشكيل لجنة تفاوض رضخت السلطات اللبنانية بموجبه للشروط، وبعد ثلاثة أيام نقضت العهد واقتحمت قوة من الجيش المبنى بعد إطلاق قنابل مسيلة للدموع وانهالوا على المعتقلين داخله بالهراوات، وتم نقلهم إلى المبنى (ب)، فيما بعد حيث كان الوضع أفضل نسبياً.
وأشار محدثنا إلى أن ملفه مع عنصر "النصرة" كان منفرداً عن ملف "عرسال" الذي كان يضم كل اللاجئين ممن تم اعتقالهم من الخيم وصدرت أحكامهم منذ أيام وهم 75 شخصاً سورياً أغلبهم من "القلمون" و"القصير" كانوا لاجئين في الخيم ولا علاقة لهم بأي تنظيمات على الأرض اللبنانية أو بأحداث "عرسال" الحقيقية التي يقف وراءها عناصر من جبهة "النصرة" وتنظيم "الدولة" تم تهريبهم بعدها بتغطية من حزب الله إلى شرق دير الزور وريف إدلب.
بقي المخبري الشاب حوالي 3 سنوات في سجن "رومية دون تهمة محددة وأفرج عنه بعد تدخل من هيئة علماء المسلمين في لبنان وتسريع محاكمته بتاريخ 28/3/2017 ليخرج من "عرسال" بعدها مع مئات النازحين الذي أخرجوا قسراً إلى الشمال السوري.
ويضم سجن "رومية" الذي يعتبر من أكبر السجون اللبنانية أكثر من 7 آلاف سجين رغم أنه مخصص منذ إنشائه لاستقبال 1500 سجين فقط، حيث يعيش نزلاؤه من السياسيين والإسلاميين أوضاعاً إنسانية صعبة، ويتعرضون للتعذيب والمضايقات اليومية، ما أدى إلى حدوث العديد من الإضرابات في السنوات الماضية بهدف تحسين أوضاع الموقوفين فيه وتسريع محاكماتهم أو إصدار عفو عام عنهم.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية