أيام قليلة وتعقد قمة اسطنبول الرباعية بين زعماء تركيا وروسيا وألمانيا وفرنسا، موضوع واحد محورها الذي تدور حوله، إنه سورية.
ملاحظات تفرزها القمة قبل انعقادها، أولها: غياب السوريين عن قمة خاصة بهم، وثانيها: عدم دعوة الإيراني إليها، وثالثها: عدم تواجد الأمريكي فيها.
إن ما أفرزته تطورات الساحة السورية مؤخرا يدل على أن السوريين بطرفي الموالاة والمعارضة خرجوا من ميدان المشاورات والنقاش في قضية هم أساسها، نظرا لضعفهما أو تخليهما عن ذلك الدور الذي يجب أن يقوما به لمصلحة الوكلاء، فالنظام سلّم أوراقه ومفاتيحه قسرا وطواعية للروسي والإيراني، أما المعارضة التي نشأت في حضن الأشقاء والأصدقاء قامت أصلا دون سلطة، لذلك لا غرابة إن يتولى أمرها من أنشأها.
لا شك أن روسيا وتركيا تمثلان مصالحهما أولا وثانيا وثالثا، ومن ثم يأتي بعض اهتمام للنطق باسم النظام والمعارضة، ولكن أن تغيب إيران عن المشهد فهذا الأمر جدّ غريب، رغم أنه يأتي على ما يبدو بناء على رغبة إسرائيلية أمريكية، ولكن هذ الرغبة ليس فيها ما يقنع المتابعين، وهما اللتان لم تعترضا على تدخلها القوي في الشأن السوري إلى جانب النظام، كذلك لم تفلح بعض صواريخ اسرائيلية في الإقناع بجدية العداء لإيران، لا سيما أن إسرائيل قادرة على فعل أضعاف ذلك إذا ما أرادت.
أما غياب أمريكا عن القمة فهو غير ذي أهمية، لأن هناك من يعمل على صون مصالحها، في ظل الرعب الاقتصادي الذي يعيشه القادة الأربعة من غضب ترامب الذي أشهر هذا السلاح الحاد في وجه كل من يكسر عصا الطاعة، فتركيا لا تريد إغضابه وقد خرجت للتو من مطبّ القس الأمريكي، ولا ترغب روسيا بمزيد من العقوبات، والشيء ذاته ينطبق على ألمانيا وفرنسا بعدما بات ترامب يعلنها صراحة بإمكانية فرض عقوبات اقتصادية على أوروبا.
حضر الأربعة وفي ذهن كل زعيم هذه المعطيات، عليهم التباحث بالشأن السوري ما دونها.
الرئيس الروسي يريد الاعتراف بانتصاره العسكري من خلال الدفع باتجاه إعادة الإعمار وعودة اللاجئين، وهذا يصطدم برفض دولي باستثناء بعض الصغار، فالجميع يريد تسوية سياسية شاملة قبل البدء بالخطوتين، ومن غير المتوقع أن يحقق اختراقا في هذا الشأن.
أما الرئيس التركي فيسعى لضمان سطوته على إدلب والشمال السوري، ويرغب بإقرار دولي بحصّته، وسيكون سعيدا بالقبول الفرنسي الألماني الذي قد يعقبه قرار دولي، وهو لا يلقى في هذا كثير صعوبات بعدما عقد مع بوتين اتفاق سوتشي الذي سيتحول من مؤقت إلى دائم برغبة دولية تمثلها فرنسا وألمانيا في هذا اللقاء.
وجلّ ما تريده فرنسا وألمانيا من القمة فهو عدم اندلاع الحرب في إدلب، لأنهما لا تريدان استقبال مزيد من اللاجئين الذي سيفتح لهم أردوغان الطريق البحري إذا ما سمحت الدولتان باقتحام النظام وروسيا لإدلب يكون بينهم جهاديون عابرون للحدود، عدا عن أن الدولتين تعملان من أجل تقوية دورهما السياسي على الساحة الدولية، ووجدتا إلى المسرح السوري بابا مشرعا تدخلان منه، فها هي فرنسا تجد بالعسكرة طريقا إلى ذلك، حيث تتحضّر لإقامة قاعدة عسكرية لها شمال الرقة.
مما تحمله القمة من مؤشرات، هو تقسيم سورية لأمد غير محدد، بانتظار ذلك التصعيد الكبير الذي يعقبه حل دائم، روسيا تريد إعمار منطقة ما يسمى سورية المفيدة، وتسعى تركيا لتثبيت نفوذها في إدلب والشمال، فيما منعت أمريكا على المجتمعين التباحث بشأن منطقة نفوذها شرق الفرات، وبهذا تغدو سوريا ثلاثا، مع احتفاظ الدول صاحبة السطوة بميلشيات إرهابية "نصرة وداعش و بي يي دي وشبيحة وميليشيات طائفية إيرانية ولبنانية وغيرها"، تتخذها ذريعة لتغيير قواعد التفاهمات عند الحاجة.
لا يعني ذلك أن استقرارا قد حلّ في سوريا، لأن طموحات المتنافسين أكبر مما حققوه، وترغب أوربا باستمرار هذا الاستقرار بانتظار استكمال مشروعها لحل توافقي تعمل عليه وبدأت منذ شهرين بإجراء مباحثات دولية بشأنه، على أن تعقبها لقاءات مع طرفي السوريين خلال أيام، وأولها سيعقد مع ممثلين عن النظام في لندن الأسبوع المقبل.
في إسطنبول ستعقد في 27 من الشهر الجاري قمة تشرعن التقسيم، ليس فقط تقسيم سورية، بل تقاسمها بين الفاعلين الدوليين، حتى إشعار آخر.
*عبد السلام حاج بكري - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية