تتجه التحولات الاقليمية والدولية نحو فرض إيقاعها على الوضع الداخلي، الذي لا بد من ان ينضبط عاجلا أم آجلا تحت سقف هذه التحولات، من غير ان يحول ذلك دون استمرار بعض «الشغب السياسي» المتأتي عن اقتراب موعد الانتخابات النيابية التي تتطلب في العادة تعبئة من نوع خاص.
ولعل حركة مساعد وزير الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان على خط بيروت ـ دمشق خلال الساعات الماضية، تشكل في حد ذاتها مؤشرا بالغ الدلالة الى طبيعة المتغيرات الآخذة في التشكل من حولنا، والتي كان النائب وليد جنبلاط الاسرع الى التقاطها والتعامل معها بما تقتضيه من مرونة واعتدال في الخطاب السياسي، كرر أمس التشديد عليهما، بينما لا يزال العديد من قوى 14آذار يحاول الاجتهاد في قراءة التحولات الحاصلة، بما يحاكي تمنياته وليس الواقع.
ويبدو واضحا من المناخات التي عكسها فيلتمان بعد عودته مجددا الى بيروت من زيارته «الفائقة الاهمية» الى دمشق، ان واشنطن تبدي وللمرة الاولى منذ زمن بعيد استعدادا للاستماع الى هواجس الآخر ومناقشته فيها ـ بمعزل عما يمكن ان يؤول اليه الحوار الذي ما زال ضمن حدود جس النبض واستكشاف الارض ـ بعدما اشتهرت إدارة الرئيس جورج بوش بالآذان الصمّاء وبإصدار الاحكام المسبقة على قاعدة ان من ليس معنا فهو حكما ضدنا.
وقد سمع بعض الذين التقوا فيلتمان أمس، كلاما يدل على ارتياحه الى نتائج لقاءاته في دمشق، حيث أكد انه يعود مرتاحا من زيارته الى سوريا، «التي خضنا فيها بحثا جديا، وكان هناك توافق على استكمال الحوار لنرى الى أين يمكن ان نصل».
وأوحى فيلتمان امام مستقبليه ان المرحلة الحالية هي مرحلة جس نبض لتلمس مدى إمكانية التفاهم مع دمشق على المسائل الخلافية، وهو قال ما معناه: نحن لدينا مبادئ لا نساوم عليها، ولكننا قررنا ان ذلك لا يمنعنا من ان نتكلم مع السوريين.
وأبلغ فيلتمان بعض رموز 14آذار ان ملف لبنان غير قابل للمساومة والبحث مع دمشق «التي يفترض بها ان تنفذ ما هو مطلوب منها لجهة استكمال التبادل الدبلوماسي وترسيم الحدود وتثبيت لبنانية مزارع شبعا، والمساعدة على إقفال المعسكرات الفلسطينية خارج المخيمات وعدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية».
لكن حرص فيلتمان على عدم تدخل سوريا في الشؤون الداخلية لم يمنعه هو من سؤال إحدى الشخصيات اللبنانية التي التقاها البارحة عن الجدل الداخلي حول إمكانية إجراء الانتخابات النيابية في يوم واحد، مستفسرا عما يتضمنه القانون في هذا المجال، فقيل له ان القانون ينص على إجراء الانتخابات في يوم واحد. وهنا، استغرب فيلتمان ان يثار نقاش حول هذا الامر وان يدعو البعض الى إتمام الانتخابات في يومين او أكثر في حين ان مضمون القانون واضح على هذا الصعيد.
وفي شأن وضع المنطقة، ابلغ فيلتمان من التقاهم ان ادارة أوباما ملتزمة بمشروع إقامة الدولتين، الفلسطينية والإسرائيلية، لتحقيق السلام في الشرق الاوسط، مع ما يتطلبه ذلك من انفتاح على الآخرين ومن ضمنهم سوريا وإيران، ملمحا الى ان هذا الانفتاح يرتكز أصلا الى التوصيات الشهيرة التي كانت قد صدرت عن لجنة بايكر ـ هاملتون، والتي دفعت في اتجاه إعادة التواصل مع دمشـــق وطهــران، باعتبار انهما يمكن ان يشكلا عنصرا مســــاعدا في إشاعة مناخ من الاستقرار في المنطقة، مشـــددا على ضرورة الاستماع الى الطرف الآخر، ومعـــرفة ما لديه.
واعتبر فيلتمان في تصريح له بعد لقائه قائد القوات اللبنانية سمير جعجع «أنه لا يوجد تعارض بين الدعم القوي للبنان ومحاولة حلّ المشكلات بالحوار مع سوريا».
وإذ أعرب «عن قلق واشنطن تجاه سوريا ولاسيما ما يخص لبنان وما هو أبعد منه»، لفت الانتباه الى «ان سوريا قلقة كذلك من سياستنا، وما قمنا به هو أننا منحنا السوريين فرصة لاطلاعنا على رؤيتهم حول علاقتهم مع الادارة الاميركية وما يقلقهم تجاهها ونحن أيضاً قمنا بالمثل».
إنفتاح بريطانيا على حزب الله
الى ذلك، استرعى الانتباه في كلام غير معلن منسوب الى فيلتمان، قوله في أحد مجالسه اللبنانية ان بلاده كانت مطلعة مسبقا على رغبة بريطانيا في الانفتاح على حزب الله واستئناف الاتصالات معه، مشيرا الى ان الادارة الاميركية لم تعارض هذه الخطوة.
في المقابل، انتقدت إسرائيل، أمس، قرار بريطانيا إجراء محادثات مع حزب الله، مشيرة إلى أنها تنظر «ببالغ الخطورة» إلى هذه الخطوة.
وأكد المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية يوسي ليفي ان «إسرائيل ترفض بصورة مطلقة إمكانية أن يكون حزب الله جهة يمكن التحدث معها»، معتبراً أنّ «قرار أي دولة غربية، وخصوصا دولة كبيرة مثل بريطانيا، إجراء حوار كهذا مرفوض من أساسه».
وأضاف: إن حزب الله هو منظمة إرهابية جرّت لبنان إلى حرب مع إسرائيل، وهو ليس جهة يمكن أن تتحاور الدول الغربية معها. وأشار إلى ان إسرائيل أعربت عن احتجاجها على هذه الخطوة أمام السلطات البريطانية، مشيرا إلى أنّ حكومته لا تميز بين الجناحين السياسي والعسكري لحزب الله، كما هو الحال بالنسبة لحركة حماس.
وقال متحدث آخر باسم الوزارة، هو يغئال بلمور، إن بريطانيا حاولت تبرير التغيير في موقفها، بالقول إنها تعتزم الاستمرار في إقامة علاقات مع لبنان على المستوى البرلماني الذي يشكل حزب الله جزءا منه. وتابع: ان وزارة الخارجية البريطانية أوضحت لإسرائيل أنه لا يوجد أي تغيير في الموقف البريطاني التقليدي الرافض لإقامة علاقات مباشرة وحوار مع حزب الله.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية