أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سوريا التي مزقتها سكاكين محبيها.. عبد الرزاق دياب*

الكاتب: ملايين مشردة ومبعدة في الشتات...أولاد يولدون بلغات جديدة، وجنسيات جديدة

كيف هي سوريا التي تحبها؟ ستسمع ألف إجابة من السوريين في الداخل والخارج، وربما الجواب الذي يتكرر أمامك سيكون نحبها كما كانت بسيطة وهادئة ومسالمة، ولكن مع التسليم الأكيد أن شيئا من هذا لن يعود كما كان بعد سنوات الدم المسفوك، وانهيار كل مقومات الوطن الذي كان.

ما هي سوريا التي تريدها...ستسمع أيضاً إجابات عدة من كل الأطراف، وكلٌ يريدها وفق اجنداته الجديدة، ومصالحه، وارتباطاته التي حصلت، وممولي السلاح والقتل، وحلفاء الأيام الصعبة، ولن تجد سورياً واحداً من الفرقاء المتناحرين يخبرك عن هدنة بين القاتل والضحية ريثما يجف الدم.
تريدها علمانية ومفتوحة على الحياة كما تدّعي معارِضة محلية، لا سلطان فيها لمسجد أو شيخ، ولا تنفك تتحدث في مقابلاتها عن البلد الذي صار عمره سبعة آلاف سنة، وحضارة غارقة في طين الأرض لم تأبه لدين أو عقيدة، وهي سليلة العائلة الماركسية الأصيلة، وبنفس الوقت تقدم ولاءاتها للروسي في الفنادق والجبهات والتلفزات.

لا هم لكثيرمن الموالين هذه الأيام إلا انتقاد الآثار التي يعتبرونها مدمرة لمرسوم وزارة الأوقاف، ويعتبرونه إخضاعا للبلد العلماني، وإطالة لعمر سيطرة المشايخ وهيمنتهم على دستور البلاد وسلطتها، وفي الوقت نفسه لا يأبه هؤلاء لسيل العمائم السوداء التي تريد الهيمنة على تاريخ بلد وسطي الدين والمذهب.

معارضون ساسة وإعلاميون يحبونها وفق الممول، وهنا تتنوع المذاهب السياسية في الحكم والأصدقاء والأعداء، وتتناحر تياراتهم في شتاتهم على تخوين هذا الفريق وذاك، ومنح شهادات حسن سلوك ووطنية حسب أوامر الممول المنتفخ الذي له صراعاته التي يراهم من خلالها ليسوا سوى أدوات خادمة.

ليس غريباً أن الجميع يحبونها كما يريدون، ولذلك يشهرون سكاكينهم في اقتطاع ما قدروا عليه، ويرون في حصتهم من كعكة تاريخها مقدمة لالتهام ما بقي حتى لو كان حطاماً، ومن أجل هذا لا مانع من التحالف مع شياطين الأرض التي تجتمع اليوم فيها مدعوين من أحبتها لحمايتها وحماية الفتات الوطني.

نعم إنهم يحبونها بسكاكينهم...وهذا الدم المسفوك فيها حلال ومباح، ولذلك غير مسموح أبداً أن تحبها لأجلها فقط، إنما لأجلهم أولاً فهم هي، وهم من يعرفون كيف يجب ان تحب، ومن يجب أن تكره، وعلى بقية الدهماء أن يقولوا آمين، ويستلوا سكاكينهم أيضاً.

اليوم يموت سوريو الداخل من البرد في (الركبان)، ومن القصف في دير الزور، ومن الألغام والمفخخات في الرقة، ومقابر جماعية تكتشف، وفقراء أشبه بالموتى في كل البلاد...من أجل حبهم.

ملايين مشردة ومبعدة في الشتات...أولاد يولدون بلغات جديدة، وجنسيات جديدة، وهواء جديد يتنفسون في بلاد سيحيونها أيضاً، وآباء يستذكرون بلاداً أبعدهم الحب عنها فقط لأنهم هربوا من تلك السكاكين العاشقة.


*من كتاب "زمان الوصل"
(189)    هل أعجبتك المقالة (177)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي